موقع "فرانس سوار" يخسر رخصته الصحافية

26 ديسمبر 2022
اكتفت المؤسسة بالموقع بعد توقف الصحيفة الورقية في عام 2011 (جان أييسي/فرانس برس)
+ الخط -

قرّر مجلس الصحافة والمطبوعات عدم تجديد رخصة موقع فرانس سوار، وذلك بعد اجتماع اللجنة العامة للمجلس (المؤلفة من ممثلين عن الدولة ومحررين صحافيين) في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وهذا يعني خسارة "فرانس سوار" إمكانية الاستفادة من المساعدات التي تُخصّصها الدولة الفرنسية للمطبوعات والمواقع الصحافية الرقمية، وكذلك من بعض الاعفاءات الضريبية الخاصة. أمّا السبب، فهو جائحة كوفيد-19 وما رافقها من نظريات مؤامرة ومعلومات "مُضلّلة".

تأسّست صحيفة فرانس سوار عام 1944، وفي وقت سريع بدأت بتحقيق أرقام مبيعات عالية. عاشت نجاحاً بين الخمسينيات والستينيات. ومع الوقت، واجهت الصحيفة الكثير من المطبّات، وتعاقب عليها رؤساء ومديرو تحرير مختلفون، لكنّها في كلّ مرة نجحت في العودة إلى طريق المنافسة.

لكن، وفي عام 2011، تمّ الإعلان عن إيقاف إصدار النسخة الورقية منها والاكتفاء بموقع إلكتروني، وفي هذه السنة أجمعت الصحافة الفرنسية على اعتبارها "النهاية" الفعليّة لهذه المؤسسة العريقة. في عام 2012، تمّ الإعلان عن التصفية القضائية للمؤسسة، وبعدما انتقلت من يد إلى أخرى وصلت، في عام 2014، إلى يد رجل الأعمال كسافيه ألزابير.

في عام 2019، سرّح الموقع الصحافيين العاملين لديه لأسباب "اقتصادية"، وذلك بعد إضرابهم عن العمل لقرابة الشهرين. ومع انتشار فيروس كورونا، اعتمد الموقع مقاربة أثارت الكثير من الجدل، بدايةً من أسلوب العمل الصحافي وصولاً إلى مساهمته في نشر أخبار غير دقيقة أو علمية. اتهم "فرانس سوار"، الذي ورث اسماً كبيراً في عالم الصحافة، بنشر الأخبار الكاذبة ونظريات المؤامرة والمعلومات المُضلّلة.

كان هذا رأي معظم الصحف الفرنسية، وكذلك الكثير من العاملين في السياسة والقطاعات العلمية. بفضل هذا النوع من المعالجات الصحافية، في فترة حساسة احتاج فيها الرأي العام إلى الاطلاع على آراء مختلفة عن الخطاب الرسمي، ارتفع عدد زوار الموقع إلى أعلى مستوياته. بحسب إحصاءات عام 2020، وصل عدد زوار "فرانس سوار" إلى 3 ملايين في الشهر الواحد. وبقيت هذه الأرقام على حالها طيلة العام.

جاء قرار مجلس الصحافة الأخير بعد الكثير من التساؤلات عن دور الدولة في الحدّ من نشر الأخبار المُضلّلة. في بداية عام 2021، كانت وزيرة الثقافة السابقة روزلين باشلو، قد طلبت من المجلس إعادة النظر في رخصة الموقع (رخصة نشر معلومات سياسية وعامة). لكن "فرانس سوار" نجح في الحفاظ على رخصته آنذاك، بعدما قرّر مجلس الصحافة والمطبوعات في إبريل/ نيسان 2021 عدم سحبها.

كانت الإدارة "حذرة" حينها، على الرغم من الملاحظات الكثيرة، لكنهم تخوّفوا من أن تكون "حججهم غير صلبة" بما يكفي وفق معلومات تناقلتها الصحافة. بعد هذا القرار، نشرت صحيفة لو فيغارو الفرنسية، مقالاً عبّرت فيه عن الصدمة من تجديد رخصة "فرانس سوار"، على الرغم من "ترويج نظريات المؤامرة التي لا تمتّ إلى العمل الصحافي بصلة"، مضيفة: "الكلمات لا تكفي لوصف التحوّل في الخط التحريري في الأشهر الأخيرة".

عُقد اجتماع مجلس الصحافة والمطبوعات الفرنسي الأخير واتُخذ القرار بعدم تجديد الرخصة، ليحظى القرار بشبه إجماع وترحيب من المؤسسات الصحافية. وفسّر المجلس قراره بالإشارة إلى أنّ الموقع "لم يعد يستوفي الشروط" وبأنّه "أضرّ بالصالح العام".

مع ذلك، ليس هذا القرار أو الإجراء العقابي الأوّل بحقّ الموقع. ففي سبتمبر/ أيلول 2021، اتخذت شركة غوغل قراراً بشطب موقع فرانس سوار من خدمة أخبارها، كما تم حذف قناة الموقع من "يوتيوب". بعدها بأشهر، وتحديداً بعد عرض وثائقي عن الأخبار الكاذبة عبر قناة فرانس 2، والذي تناول في جزء منه دور الموقع في نشر أخبار غير علمية، أوقفت "غوغل" أيّ استفادة لـ"فرانس سوار" من شبكتها الإعلانية، كما حرمته من جزء من العائدات الإعلانية.

آنذاك، حاول القائمون على الموقع مواجهة "غوغل" عبر القضاء لكنّهم لم ينجحوا. أمّا الشركة التكنولوجية فقد برّرت قراراتها برغبتها في "حماية العلامات التجارية"، وذلك "عبر عدم عرض إعلاناتها جنباً إلى جنب مع أي محتوى خطير ومضلّل".

وستؤدّي قرارات مجلس الصحافة والمطبوعات الأخيرة إلى حرمان الموقع من الإعفاء الضريبي على التبرعات، ومن تخفيض الضريبة على القيمة المضافة، كما سيصير أصعب على العاملين فيه الحصول على البطاقات الصحافية.

وفي ردّ أول وأخير من "فرانس سوار"، نشر الموقع مقالاً بقلم مديره، رجل الأعمال كسافيه ألزابير، تحدّث فيه عن تلقي الإدارة قرار سحب الترخيص عبر الصحافة من دون تبليغ رسمي واضح. كما كرّر مراراً "استقلالية" الموقع التامّة، مؤكّداً أنّه لا يتقاضى أيّة مساعدات مالية من الدولة، بل يستمر بفضل مساعدات القرّاء "المعفيّة من الضريبة". كذلك، انتقد ألزابير الإجماع الصحافي على القرار الذي وصفه بأنّه "سياسي"، واعتبره تأكيداً على أنّ زمن "عمل الصحافة على حماية تعدّدية الآراء قد ولّى".

المساهمون