مواجهة مفتوحة في السودان على مواقع التواصل كما في الميدان

23 ابريل 2023
يخوض حليفا أمس صراعاً على السلطة (عمر إردم/Getty)
+ الخط -

توازياً مع معاركهما في الميدان، تستعر الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على منصات التواصل الاجتماعي، وتستخدم فيها مختلف أسلحة التضليل والحسابات الوهمية وتكتيكات خبراء يعملون في الخفاء لترجيح كفّة طرف على آخر.

ومنذ اندلاع المعارك في 15 إبريل/نيسان، لجأ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وغريمه محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، إلى "إغراق وسائل الإعلام بمعلومات مضللة"، وفق الشريكة في تأسيس مركز "بيم ريبورتس" الذي يحقق في المعلومات المضللة في السودان، رغدان أورسود. 

يخوض حليفا الأمس اللذان قادا انقلاباً أطاح المدنيين من الحكم عام 2021، صراعاً على السلطة أودى بالمئات خلال أسبوع، وفشلت معه كل مساعي التهدئة.

ودفعت المعارك ملايين السودانيين للاحتماء في منازلهم حيث أصبحت منصات مثل "فيسبوك" و"تويتر" مصادر أساسية للمعلومات.

ويصعب التحقق من المعطيات الميدانية جرّاء خطر التنقّل، فالتدقيق في المعلومات عبر مواقع التواصل ليس أقل تعقيداً، خصوصاً أن جزءاً كبيراً يبثّ التضليل عمداً خدمةً لأحد طرفي النزاع.

ويقول الباحث في قضايا التضليل بجامعة نورث إيسترن في مدينة بوسطن الأميركية، محمد سليمان، إن الجانبين نشرا "حقائق ملتوية" في حملة إعلامية لخلق "حالة من الخوف" تسيطر على الناس.

وبينما لم يحقق أي طرف تقدماً ميدانياً كبيراً، يرى خبراء أن لقوات الدعم ودقلو يد طولى في المعركة الإعلامية.

فبعيد اندلاع القتال، بدأت حسابات مرتبطة بدقلو وقواته تبث بلغة إنكليزية متقنة، منشورات تؤكد فيها أنها تقاتل "الإسلاميين المتطرفين" الذين "يشنون حملة وحشية ضد الأبرياء"، وتدافع عن "الديمقراطية".

ويرى متخصص في شؤون الشرق الأوسط طلب عدم كشف اسمه، أن ذلك يؤشر إلى أن قوات الدعم "تستفيد من خدمات خبراء في مجال الصورة والتواصل الإلكتروني".

"تكتيكات قديمة"

من جهته، يرى سليمان أنّ قوات الدعم "تتفوق" في الحرب الكلامية على الجيش الذي يعتمد "التكتيكات القديمة".

وبحسب "بيم ريبورتس"، يستخدم الجيش حسابات وهمية على مواقع التواصل، كانت بالكاد ناشطة قبل المعارك.

ونشرت هذه الحسابات غير الموثقة بيانات للبرهان والجيش أقرب ما تكون إلى دعاية مضللة، وفق خدمة تقصّي صحة الأخبار لوكالة فرانس برس.

وتداولت الحسابات على منصات مختلفة مقاطع فيديو تشيد بالجيش لشنّه ضربات جوية على مقرات لقوات الدعم، والاستيلاء على كميات ضخمة من النقود من منزل دقلو، وشنّ غارات جوية في شمال البلاد... واتضح أن اللقطات قديمة وتعود الى اليمن وليبيا، وحتى أن بعضها كان من ألعاب الفيديو.

والأربعاء، اتهمت قوات الدعم الجيش بإغلاق موقعها على الإنترنت الذي كان يستخدم نطاقاً حكومياً رسمياً.

وما زاد من خطر التضليل في المعركة الإلكترونية، تزامنها مع تجريد إدارة "تويتر" الحسابات من علامات التوثيق الزرقاء المجانية، ومنها تلك العائدة رسمياً للبرهان وقوات الدعم.

وظهرت تبعات هذا الإجراء الجمعة، إذ أعلن حساب باسم قوات الدعم يحمل علامة التوثيق التي باتت متوافرة عبر خدمة الدفع، أن دقلو انتقل "إلى رحمة الله متأثراً بجراح أصيب بها" خلال المعارك.

تكنولوجيا
التحديثات الحية

"تلميع صورة" قوات الدعم

لكلٍ من طرفي النزاع تاريخ في استخدام مواقع التواصل لتلميع صورته.

ورصدت شركة "بيم ريبورتس" وجود "حملة ممنهجة لتلميع صورة القوات شبه العسكرية (الدعم السريع)" على "فيسبوك" بدأت منذ مايو/أيار 2019 بعدما أطاح انقلاب عسكري نظام الرئيس عمر البشير.

وتؤكد تيسا نايت من مختبر "دي أف آر لاب" للتدقيق الرقمي الأميركي، أن قوات الدعم تلاعبت سابقاً بمنصات التواصل.

ووفق المختبر، استخدمت القوات "ما لا يقل عن 900 حساب على "تويتر" يُحتمل أنها مقرصنة" منذ ديسمبر/كانون الأول 2022، لنشر معلومات عنها وعن دقلو وتضخيم شعبيتهم "بشكل مصطنع".

وتشير نايت إلى أن هذه الحسابات تصوّر دقلو على أنه "عسكري إصلاحي يدعم الديمقراطية، وقائد كفؤ"، ووصفته مع اندلاع المعارك بـ"بطل يقاتل لحماية السودان وتطهير البلاد من الخونة".

لم يترك دقلو صورته رهينة الصدفة. فهو وقّع في مايو/أيار 2019 عقداً قيمته ستة ملايين دولار مع شركة العلاقات العامة والاستشارات "ديكنز أند مادسون" في مونتريال، بإدارة رجل الأعمال الإسرائيلي-الكندي، آري بن ميناشي.

والعقد الذي اطلعت فرانس برس على نسخة منه، مدته سنة قابلة للتجديد، وينصّ على أن تقوم الشركة بـ"حملات ضغط (لوبي) مع قادة في السلطات التنفيذية و/أو التشريعية الأميركية والسعودية والروسية"، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمات أخرى.

وأتى الاتفاق قبل أسابيع من اتهام مسلّحين تابعين لقوات الدعم، بفضّ احتجاجات مؤيدة للديمقراطية في الخرطوم قُتل فيها 128 شخصاً.

تقاطع أجنبي

تعود جذور حملة التضليل لقوات الدعم عبر مواقع التواصل إلى العام ذاته. وعلى امتداد السنتين اللاحقتين، أغلقت شبكة فيسبوك مئات الحسابات التابعة لهذه القوات على منصتي "فيسبوك" و"إنستغرام" بسبب "سلوك زائف منسق".

كما أغلقت حسابات "تم إنشاؤها في روسيا" كانت تروّج لمضامين "وسائل إعلام تسيطر عليها الدولة الروسية" أو السلطات السودانية.

وفي سبتمبر/أيلول 2021، وقبيل انقلاب البرهان ودقلو على المدنيين، أُغلقت حسابات روّجت لقوات الدعم.

وبحسب أورسود، فإن تغريدة داعمة لقوات الدعم مؤخراً حملت بصمتها الرقمية "التوقيت المحلي للإمارات"، ما قد يؤشر إلى أن بعض الحسابات على "تويتر" كانت "تدار من الإمارات".

ووفق بيانات "دي أف آر لاب"، فبعض الصفحات التي أغلقتها "فيسبوك" في 2021 "كانت تدار من السعودية والإمارات".

وجمعت علاقة وثيقة بين البرهان ودقلو من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى. وأرسل القائدان مقاتلين إلى اليمن في 2015 في إطار تحالف قادته الرياض بمشاركة أبوظبي، دعماً للحكومة المعترف بها دولياً. لكن أبوظبي باتت في الأعوام اللاحقة أقرب إلى دقلو.

ريال... دولار... روبل

يمتد الترابط الدولي لهذه الحملة إلى أبعد من الشرق الأوسط، ففي عامي 2019 و2021، أغلقت "فيسبوك" حسابات سودانية تدعم وسائل إعلام حكومية وروسية متصلة بـ"وكالة أبحاث الإنترنت" الروسية، وهي مجموعة اتهمتها الولايات المتحدة بالسعي للتأثير في انتخابات الرئاسة 2016.

وفي مارس/آذار 2022، أكد مسؤول أمني سوداني لـ"فرانس برس" أن "خبراء روسيين يشاركون في تأمين الاتصالات ومراقبة شبكات التواصل الاجتماعية لصالح مؤسسات مرتبطة بالدولة" في السودان.

وفي الشهر ذاته، قالت دول مجموعة "الترويكا" (بريطانيا والولايات المتحدة والنرويج)، إن مجموعة "فاغنر" الروسية التي يترأسها رجل الأعمال المرتبط بالكرملين يفغيني بريغوجين، "تنشر معلومات مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي" في السودان.

وتنفي الخرطوم وجود أي نشاط للمجموعة في السودان.

وعلى رغم تعدد الجهات في هذه الحملات، ترى أورسود بأنه في الإمكان "مواجهة أي حملة تضليل مهما بلغ تعقيدها".

وفي الظروف الراهنة، عمد السودانيون الى إغراق مواقع التواصل بالمعلومات حول تقديم الإغاثات والمساعدات لمن هم في أمس الحاجة إليها.

(فرانس برس)

المساهمون