"مهرجان مالمو العربي الـ13": تنويع سينمائي تتصدّره المرأة

01 مايو 2023
ريحان كران بين نسرين الماضي (يسار) ونسرين بنشرة في "ملكات" (الملف الصحافي)
+ الخط -

افتتاح الدورة الـ13 لـ"مهرجان مالمو للسينما العربية"، مساء 28 إبريل/نيسان 2023، في المبنى القديم لبلدية المدينة السويدية، متوافق وتقليد متّبع منذ دورات عدّة. كلمات لمسؤولين في إدارة المهرجان والبلدية، وتكريم الممثل المصري حسين فهمي "عن مجمل مسيرته الفنية"، قبل عشاء يسبق انتقال بعض الضيوف إلى صالة سينما "بانورا 1" لمُشاهدة فيلم الافتتاح، "حمى البحر المتوسط"، للفلسطينية مها حاج.

سينما "بانورا"، بصالتيه الاثنتين، ستكون المكان المعتاد لعرض الأفلام المشاركة في مسابقتي الأفلام الطويلة والقصيرة، وأفلام البرامج الأخرى. "سينما رويال"، القريبة من فندق "سْكانديك تْريانْين"، مقرّ إدارة المهرجان، ستشهد حفلة توزيع الجوائز مساء 3 مايو/أيار 2023. حفلات تُنظّمها جهات سينمائية عربية قليلة، حاضرة في الدورة الجديدة هذه كضيوف وشركاء ورعاة للمهرجان، الذي ينفتح أكثر على دولٍ تجهد في تثبيت مكانةٍ لها في المشهد السينمائي العربي والدولي.

في "المكتبة العامة لمالمو"، يلتقي حسين فهمي جمهوراً، سيستمع إلى خلاصة تجربته السينمائية وتفاصيل من خبراته الفنية، ويوقّع الزميل إبراهيم العريس كتاباً جديداً له، صادر عن المهرجان، يتناول فيه سينما المرأة: "المرأة مستقبل السينما العربية".

المرأة العربية حاضرةٌ في المهرجان، مخرجةً وممثلةً ومُقدّمةَ مشروع سينمائي ومشاركةً في لجان التحكيم. هذا ينسجم مع ما يُظهره محمد قبلاوي، مؤسّس المهرجان ومديره، من اهتمامٍ بتوازن "جندري" يتكامل مع سعي إلى أنْ يكون التوازن سينمائياً أيضاً، والسينمائي المقصود كامنٌ في أنّ أفلامَ مخرجاتٍ عربيات (بعضها كما غيرها تُمثل فيه نساء، ويروي قصصهنّ وأحوالهنّ وانشغالاتهنّ وهواجسهنّ)، معروضة في الدورة الـ13، تُثير مسائل حياتية ونفسية واجتماعية أساسية في العيش العربي، مشغولة (الأفلام) بمستويات متباينة، تلتقي عند همٍّ سينمائي، بصرياً ودرامياً وجمالياً، قابلٍ لنقاشات مختلفة.

فيلم الافتتاح (ثاني روائي طويل لمها حاج) يروي حكاية رجل أربعينيّ (عامر حليحل) يفشل في كتابة أول رواية له، وجاره (أشرف فرح) المتورّط في أعمال إجرامية. كلّ واحد منهما يكتشف نفسه والآخر في رحلةٍ تأخذهما معاً إلى أعماق روح وتأمّل وأحوال. اللبناني باسم بريش، مثلاً، يدفع المرأة (كارول عبّود)، في "بركة العروس"، إلى تفكيك ذاتها وروحها وجسدها، في رحلة أخرى إلى أعماقها، لاغتسالٍ من آلامٍ وقسوة وانكسار وخيبات، تقوم بها عبر علاقة جسدية برجل متزوّج، قبل أن تعود إليها ابنتها الحامل (أميّة ملاعب)، التي تريد، هي أيضاً، اغتسالاً من آلامٍ وقسوة وانكسار وخيبات. المغربية ياسمين بنكيران تلتقط، في "ملكات"، أحوال 3 نساء، زينب (نسرين الراضي) وابنتها المراهقة إيناس (ريحان كران) وامرأة متزوّجة تُدعى أسما (نسرين بنشرة)، يلتقين معاً في رحلة "برّية" (في شاحنةٍ تقودها أسما)، هرباً من واقع، وسعياً إلى تطهير روحٍ منكسرة ومقهورة، بسبب اجتماعٍ قاسٍ وضاغط.

حاج تتمكّن، إلى حدّ بعيد، من فهم التركيبة النفسية والروحية والفكرية لرجلين يتشابهان في أمور عدّة، لعلّ أبرزها سعيهما إلى خلاصٍ ربما لن يتحقّق. بريش يُدرك حساسية المرأة ورغباتها المكبوتة في اجتماع ذكوريّ، تعاني أهوالَه النساء الـ3 أيضاً، اللواتي يجهدن، كلّ بأسلوبها الخاص، في النفاذ من انهيار ذات وبيئة حولهنّ.

 

 

لكنْ، في مقابل حِرفية الاشتغال البصري في "حمى البحر المتوسط" و"بركة العروس"، وجمالية الارتكاز على بلاغة صُور سينمائية في أول روائي طويل لبريش، التي تُقابلها جمالية الحوار والتمثيل في جديد حاج، بعد "أمور شخصية" (2016)، تحاول بنكيران إيجاد مُعادلٍ سينمائي لمناخٍ تطرحه في قراءتها "سِيَر" نسائها الـ3، ومعاناتهنّ وهروبهنّ من بؤسٍ وضياع. ثقلُ جمالي، بمعناه الإيجابي، لحكاياتٍ وحالاتٍ، يحتاج إلى ترجمة بصرية أعمق وأمتن من ذاك المُقدَّم في 83 دقيقة، رغم أنّ في بعض المُقدَّم نفسه ما يشي، أكثر من مرّة، بجمالية التقاط إحساسٍ وتفكير نسائيين إزاء أوضاعٍ ورغباتٍ وعلاقات.

هناك "نزوح"، للسورية سؤدد كعدان، الموزِّع اهتمامه على نساءٍ ورجالٍ، ستكون عائلة الوالدين هالة (كندة علوش) ومعتز (سامر المصري)، وابنتهما المُراهقة أيضاً زينة (هالا الزين)، نواته الدرامية والبشرية والاجتماعية، في زمن حربٍ سورية، تحوّل منطقة العائلة إلى خرابٍ، تُهجّر الغالبية الساحقة من سكّانها إلى خارجها.

مأزق "نزوح" كامنٌ في أنّ للنص أهميته في مقاربة حالة قاسية وصعبة، يعانيها كثيرون وكثيرات في حروبٍ أهلية، لكنّ الترجمة البصرية ينقصها ما يُزيل كلّ حاجز بين المُصوَّر (هِلن لوفار وبوراك كانبير) والمُشاهِد، وكلّ وهن في تركيب الشخصيات وعلاقاتها، وفي كيفية مقاربة الأسئلة المطروحة فيه ومعاينتها.

أهمية النصّ تُحرِّض على نقاشٍ في السينما والسياسة والحرب السورية، وسِنّ المراهقة وحاجاتها، والانفعال الأول، وغيرها من تساؤلات تمسّ الفرد، بكلّ ما فيه من مشاعر وتفكير. لكنّ الأهمية هذه ينقصها اشتغال سينمائي أفضل من المُنجز.

هذا لن يُلغي أهمية أخرى، تتمثّل باختيار "نزوح" و"ملكات"، إلى جانب اختيار غيرهما أيضاً (أفلام متفاوتة الأهمية السينمائية)، في مهرجان يهتمّ بالسينما العربية، ويحاول تثبيت مكانتها في الاجتماع السويدي. اختيار أفلامٍ، تحتاج إلى اشتغالاتٍ سينمائية أعمق وأهمّ وأمتن، غير لاغٍ اختيارات أخرى لأفلامٍ "تستحقّ المُشاهدة" فعلاً.

المساهمون