تحدّث خمسة مخرجين وممثلين فلسطينيين، في لقاء صحافي عقد الثلاثاء ضمن فعاليات مهرجان أجيال السينمائي 2024 في الدوحة، عن الآفاق التي تتيحها السينما الفلسطينية للتعبير عن قضاياهم التي تدور حكماً في سياق سياسي، حتى عندما تتناول علاقة عاطفية أو أزمة عائلية. لكن رواية الوجود الفلسطيني بكل الأدوات المتاحة ضد حرب إبادة مستمرة منذ أكثر من 400 يوم طغت على المشاركين وقد حضروا مع أفلامهم ضمن برنامج "أصوات من فلسطين" في الدورة الـ12 من مهرجان أجيال السينمائي التي افتتحت السبت الماضي، وتختتم السبت المقبل.
وحضر الممثل السينمائي والمسرحي محمد بكري مع الجزء الثاني من فيلمه "جنين، جنين"، والمخرج رشيد مشهراوي مع مشروعه "أفلام من المسافة صفر"، والممثل السينمائي والمسرحي صالح بكري مع فيلم "غزة برايد 17"، والمخرجة ليلى عباس مع فيلمها "شكراً لحلمك معنا"، والمخرج محمد المغني مع فيلمه "برتقالة من يافا".
وافتتح محمد بكري (71 عاماً) الكلام في الجلسة التي نظمت ضمن مهرجان أجيال كلامه بالقول: "نحن تحت الاحتلال سواء في الأراضي المحتلة عام 1948 أو 1967، وفي أي مكان من الشتات الفلسطيني، لنا الحلم ذاته في التحرر والاستقلال والكرامة"، مضيفاً أن "الحياة تستحق النضال وكتابة تاريخ للمرجعية السياسية والأخلاقية يورث للابن والحفيد". واعتبر أن السينما الفلسطينية "وليدة مواهب أشخاص يكدون برشح الجبين وإمكانيات قليلة، من دون أن تتوفر صناعة سينمائية، على غير الحال التي يعاينها في دولة الاحتلال حيث يوجد صندوق لدعم الأفلام". وباتت العلاقة مع الوطن العربي، تبعاً لوقائع في دول تحفظ على ذكرها، تستحق عنوان "وظلم ذوي القربى أشد مضاضة من وقع الحسام المهند"، وفق تعبيره، مشيراً إلى أن الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم عقب النكبة حصلوا على جنسية إسرائيلية، فصاروا مبتورين عن أشقائهم العرب. وأضاف: "نحن مظلومون ومقطوعون، ومتهمون بأننا نحمل جواز سفر إسرائيل، وهذا مؤلم، لأن هوية الإنسان ليست في جواز، بل بما يؤمن به ويربي أبناءه عليه".
المسافة صفر
تمنى المخرج رشيد مشهراوي (62 عاماً) لو لم تقع الحرب على غزة، حتى لا تكون ثمة حاجة لعمل المشروع الذي أشرف عليه ودعم من خلاله أفلاماً من غزة قصيرة لا تتجاوز الدقائق الثلاث، توثيقية وتجريبية وروائية. وقال مشهراوي أنّه تابع على شاشة التلفزيون ما قال إنها كوارث على الهواء مباشرة، فرأى بعينه أرض ذكرياته في مخيم الشاطئ بلا ملامح، "لم يعد الشارع موجوداً بما في ذلك المدرسة"، وقد ظل أول الوقت مستنزفاً أمام شاشات الأخبار قبل أن يحسم قراره بأن العلاج هو ألا يبقى متفرجاً.
وجاء قراره بإطلاق المشروع رداً على هجمة السردية الاحتلالية المفبركة التي تتحدث عن قطع رؤوس إسرائيليين واغتصاب النساء وقتل الأطفال، قائلاً إن هذا الكذب الذي روجه الاحتلال كان يدفعه للذهاب مباشرة إلى من يواجهون الموت في غزة، لكي يقدموا أفلامهم مستثمرين أي طريقة كانت لإيصال "صوت الذين يقتلهم الاحتلال والصمت العربي".
نفض الغبار
أما الممثل السينمائي صالح بكري (47 عاماً)، فقال إن "الفن عموماً المنتفض المقاوم، هو أكثر شي طبيعي يمكن أن تعمله ظروف غير طبيعية فرضت عليك، وهذا يدفع إلى الشعور بالمعنى الذي يتشكل من كينونة الجماعة الفلسطينية. وعليه، فإن الفن المقاوم هو عكس العجز الذي يحاول الاحتلال فرضه. غير أن هذا الفن، وهذه السينما بالتحديد، يجب أن تنجز بجودة وحب وبطريقة تصل إلى كل العالم من ابن مخيم فلسطيني إلى نيويورك إلى بكين"، حسب قوله.
هل هذا يساهم في شفاء الجرح؟ يجيب بكري: "لا، إنه يشفي الغليل فقط. أما الجرح فلا يشفيه سوى زوال الاحتلال البغيض الذي دمرنا وشوهنا وشتتنا"، ضارباً مثلاً على الشتات لا في مديات جغرافية بعيدة، بل على مقربة منه، في غزة التي لم يتمكّن من زيارتها يوماً، مع أنّها جزء من وطنه.
حدود
المخرج محمد المغني، المولود عام 1984، كان أصغر المتحدثين عمراً في الندوة التي أقيمت ضمن مهرجان أجيال السينمائي. وإذا كان من سبقوه لم يغفلوا كلمة الشتات، فإن قصة بطل فيلمه الروائي القصير تدور كلها على حاجز الاحتلال، حيث يحاول أن يعبر بواسطة بطاقة إقامته في بولندا، البلد نفسه الذي درس فيه المخرج وأقام فيه. ورأى المغني أن ما تعلمه مبكراً هو "كيفية بناء جسر بينك وبين شخص من خلال مشاعر إنسانية وسينمائية تتجاوز الأسلاك والجدران العالية".
أسئلة صعبة
من جهتها، رأت المخرجة ليلى عباس (44 عاماً) أن السينما في أساسها هي التي تسأل الأسئلة الصعبة، وتفتح ساحة للحوار. هذا شأن لا يختلف عليه كثيرون في هذا الحقل الإبداعي أو غيره، مع وجود من يفضلون التخصص فقط في طرح الأجوبة.
صورت فيلمها "شكراً لحلمك معنا" قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بشهرين، وهو يقوم على وفاة الأب وحصص بنتيه في الميراث مقابل أخيهما الجشع والمدعوم بتقاليد مجتمع ذكوري. وقالت إن العدوان على غزة جعلها في كل مرة يعرض فيها الفيلم تؤكد أنه أنجز قبل الحرب، مع أنها ليست مضطرة لهذه اللغة الاعتذارية، حيث قضايا التحرر الاجتماعي ينبغي دائماً ألا تتعارض مع التحرر السياسي.
غير أن حرب الإبادة عصفت بما قالت إنها كل السياقات السينمائية التي كان يمكن تبريرها سابقاً، مضيفةً: "حين قدمت فيلمي كنت أحكي عن المساواة. فجاءت الحرب لتعيدنا إلى القرون الوسطى، وتجعل المرأة تفقد أبسط متطلبات حياتها التي تشعرها بالكرامة".