أعلنت شركة "فيسبوك" مساء الخميس تغيير اسمها إلى "ميتا"، في إعادة لإطلاق علامتها التجارية بالتركيز على طموحات تتعلق ببناء "ميتافيرس"، وهو بيئة للواقع الافتراضي المشترك تراهن الشركة على أنها ستكون المنصة الكبرى المقبلة، في وقت تكافح فيه سيل التسريبات وانتقادات من مشرعين وجهات تنظيمية، بشأن قوتها السوقية وقراراتها الرقمية والرقابة على الانتهاكات على منصتها.
الإعلان جاء على لسان المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"فيسبوك" مارك زوكربيرغ، خلال مؤتمر الشركة عن البث الافتراضي الحي والواقع المعزز الذي استمر نحو ساعة ونصف. وأوضح زوكربيرغ أن الاسم الجديد "ميتا" الذي يعني باللغة اليونانية القديمة "ما بعد" يعكس طموح شركته لبناء عالم جديد من الواقع الافتراضي، بدلاً من أن تكون خدمة تواصل اجتماعي فقط.
وخطوة "فيسبوك" هذه ليست الأول من نوعها لدى مجموعات الإنترنت العملاقة. ففي 2015، أعادت "غوغل" تنظيم أنشطتها، عبر إنشاء مؤسسة أمّ تحمل اسم "ألفاِبت" تدير خدمات الشبكة، بينها محرك البحث ومنصة "يوتيوب" وخدمة "وايمو" للسيارات المستقلة.
من "فيسبوك" إلى "ميتا"
قال زوكربيرغ: "كانت علامتنا التجارية مرتبطة بشدة بمنتج واحد لا يمكنه بأي حال أن يعكس كل ما نفعله الآن، ناهيك عن المستقبل (...) تعلمنا كثيراً من المشاكل المتعلقة بمسائل مرتبطة بالتواصل الاجتماعي والعيش ضمن منصات مغلقة، وحان الوقت الآن للاستفادة من كل هذه العبر، للمساهمة في بناء الفصل الجديد". وأضاف "يشرفني الإعلان أنه اعتباراً من اليوم (الخميس) سيكون اسم شركتنا (ميتا). رسالتنا تبقى نفسها، وهي جمع الناس، فيما تطبيقاتنا وعلاماتنا التجارية لن تتغير".
وأشارت الشركة إلى أن تغيير الاسم سيضم كل التطبيقات والتكنولوجيات التابعة لها تحت الاسم الجديد، لكنه لن يغير هيكل الشركة. وستحافظ شبكة "فيسبوك" وتطبيق "إنستغرام" وخدمة "واتساب" على أسمائها. لكن ابتداءً بالأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل، ستبدأ أسهمها بالتداول تحت رمز المؤشر الجديد: MVRS.
ستحافظ شبكة "فيسبوك" و"إنستغرام" و"واتساب" على أسمائها. لكن ابتداءً بالأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل، ستبدأ أسهمها بالتداول تحت رمز المؤشر الجديد: MVRS
مصطلح "ميتافيرس" الذي ظهر للمرة الأولى في رواية قبل ثلاثة عقود، ويجتذب الآن اهتماماً كبيراً في "وادي السيليكون"، يشير بشكل عام إلى فكرة البيئة الافتراضية المشتركة التي يمكن لأشخاص الدخول إليها على الرغم من استخدامهم لأجهزة مختلفة. يمكن التفكير في "ميتافيرس" على أنه نفخ الحياة في عالم الإنترنت، أو تقديمه في صورة ثلاثية الأبعاد. ووصفها زوكربيرغ بأنها "بيئة افتراضية" يمكنك الدخول إليها بدلاً من مجرد النظر إليها من الشاشة.
إنه عالم من المجتمعات الافتراضية التي لا نهاية لها والمترابطة، حيث يمكن للأشخاص الالتقاء والعمل واللعب باستخدام سماعات الواقع الافتراضي، أو نظارات الواقع المعزز، أو تطبيقات الهواتف الذكية، أو الأجهزة الأخرى. كما ستشمل أيضاً جوانب أخرى من الحياة عبر الإنترنت، مثل التسوق ووسائل التواصل الاجتماعي.
وتوقع زوكربيرغ أن تضم "ميتافيرس" مليار شخص في غضون العقد المقبل.
خطوات مهدت للتغيير
ما أعلنه زوكربيرغ ليس مفاجئاً، على الرغم من ضخامة الخطوة؛ في البداية، نشر موقع "ذا فيردج" المتخصص في الشؤون التقنية إعلاناً عن أن "فيسبوك" لن تكون شركة للتواصل الاجتماعي، بل شركة "ميتافيرس"، ثم أطل زوكربيرغ في برنامج شبكة "سي بي إس" الأميركية الصباحي، ليستعرض Horizon Workrooms، وهي غرف سيُجسد فيها المستخدمون في صور رمزية تسمح لهم ليس فقط بمشاهدة غرفة الاجتماعات في مكان العمل، بل أن يكونوا فيها.
يمكن التفكير في "ميتافيرس" على أنه نفخ الحياة في عالم الإنترنت، أو تقديمه في صورة ثلاثية الأبعاد
لاحقاً، أعلنت "فيسبوك" عن شراكتها مع شركة "راي-بان" لإنتاج نظارات الواقع المعزز عالية التقنية وجذابة الشكل، ثم كشفت أنها تعتزم توظيف عشرة آلاف شخص من دول الاتحاد الأوروبي في السنوات الخمس المقبلة، للعمل على تطوير عالم "ميتافيرس" الرقمي الموازي، ثم نشر موقع "ذا فيردج" معلومة عن سعي "فيسبوك" لإنشاء شركة أمّ تحمل اسماً جديداً، إلى أن أصبحت الخطوة واقعاً مساء الخميس.
محاولة إلهاء؟
المنتقدون والمراقبون يصرون على أن خطوة "فيسبوك" هذه ليست إلا محاولة لإلهاء الرأي العام عن المشكلات والفضائح الكثيرة التي تواجهها، وتحديداً بعدما سربت الموظفة السابقة فيها فرانسيس هاوغين دراسات داخلية، تظهر أن مسؤولين تنفيذيين في الشبكة كانوا على دراية بأن مواقعها قد تؤذي بعض المستخدمين، ما عزز الدعوات في الولايات المتحدة وأوروبا إلى ضبط هذا القطاع.
وتوالى سيل التقارير التي تكشف عن دور "فيسبوك" في تعزيز خطاب الكراهية والانقسام في الولايات المتحدة والعالم، وأخطارها على المستخدمين صغار السن، وعجزها عن مواكبة سيل التعليقات المناهضة للقاحات المضادة لفيروس كورونا التي غزت منصاتها، وغيرها الكثير، استناداً إلى الوثائق التي قدمتها هاوغين لدعم ما كشفته في شهادة لها أمام "لجنة الأوراق المالية والبورصات". وقدمها مستشارها القانوني إلى الكونغرس بصيغة منقحة. وحصل على النسخ المنقحة كونسورتيوم من 17 وكالة أنباء أميركية، بينها "سي أن أن" و"واشنطن بوست" و"أسوشييتد برس" و"نيويورك تايمز".
تزعم هاوغين أن الوثائق تؤكد أن شركة "فيسبوك" فضلت مراراً مصالحها المالية على سلامة مستخدميها. وأدلت هاوغين الاثنين بشهادتها أمام مشرعين بريطانيين. وقالت: "لم تكن (فيسبوك) على استعداد لقبول التضحية حتى بأرباح قليلة من أجل سلامة المستخدمين، وهذا أمر غير مقبول"، مضيفة أن المحتوى الغاضب أو الذي يغذي الكراهية "هو أسهل طريقة لنمو" منصة التواصل الاجتماعي.
من جهة ثانية، حاولت "فيسبوك" مراراً وتكراراً تشويه سمعة هاوغين، واتهمتها بأنها انتقائية وهدفها الإساءة لصورة الشركة. وقال متحدث باسم "فيسبوك" لشبكة "سي أن أن"، في بيان، إن "جوهر هذه القصص هو فرضية خاطئة. نعم، نحن شركة ونحقق أرباحاً، لكن القول إننا نفعل ذلك على حساب سلامة الناس أو رفائهم يسيء فهم مكمن مصالحنا التجارية".
هل ينتفض المعلنون؟
أعلنت الشركة عن أرباح ربع سنوية تزيد عن 9 مليارات دولار أميركي الاثنين، بزيادة نسبتها 19 في المائة، وعن ارتفاع عدد مستخدميها إلى 2.91 مليار شخص.
وتجدر الإشارة إلى أن 98 في المائة من إيرادات "فيسبوك" مصدرها الإعلانات، ما عزز تصريحات الكثيرين القائلة إن المعلنين هم الأكثر قدرة على الضغط على الشركة ووضعها عند حدها.
وفي هذا السياق، دعا الرئيس التنفيذي في شركة "باتاغونيا" الأميركية للملابس الجاهزة، ريان غيلّيرت، شركات أخرى إلى الانضمام إلى حملة مقاطعة إعلانات "فيسبوك"، للضغط على عملاق التواصل الاجتماعي.
وقال غيلّيرت في بيان لشبكة "سي أن أن"، الخميس: "نعتقد أن مسؤولية (فيسبوك) التأكد من أن منتجاتها لا تسبب أي ضرر، وإلى حين حدوث ذلك، ستواصل (باتاغونيا) حجب إعلاناتها عنها... نشجع الشركات الأخرى على الانضمام إلينا في دفع (فيسبوك) إلى إعطاء الأولوية للأشخاص والكوكب على الربح." وأفاد بأن "باتاغونيا" أوقفت الإعلانات المدفوعة على منصات "فيسبوك" في يونيو/حزيران 2020، لأنها "تنشر خطاب الكراهية والمعلومات الخاطئة حول تغير المناخ وديمقراطيتنا. ما زلنا متمسكين بالمقاطعة بعد 16 شهراً".