منصات التواصل والمراهقون: ملصق تحذيري

25 يونيو 2024
تظاهرة لـ"أمهات ضد الإدمان على الإعلام" أمام مقر "ميتا" في نيويورك (فاتح أكتاش/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيفيك مورثي، الجرّاح العام في الولايات المتحدة، يدعو إلى وضع تحذيرات صحية على منصات التواصل الاجتماعي للتنبيه حول أضرارها على صحة المراهقين العقلية، مشيرًا إلى العلاقة بين الاستخدام المفرط وزيادة خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب.
- هناك جدل بين العلماء والمدافعين عن حرية التعبير حول العلاقة المباشرة بين استخدام منصات التواصل الاجتماعي وتدهور الصحة العقلية، مع وجود دراسات تقدم نتائج متضاربة بسبب تعريفات غير متسقة للمصطلحات الرئيسية.
- بعض المدارس والولايات في الولايات المتحدة تتخذ خطوات للحد من استخدام الهواتف المحمولة ومنصات التواصل الاجتماعي لتعزيز صحة الطلاب العقلية وتحسين أدائهم الدراسي، مثل منطقة مدارس لوس أنجليس التي صوتت لصالح حظر استخدام الهواتف الذكية.

دعا المسؤول الصحي الحكومي رفيع المستوى في الولايات المتحدة، فيفيك مورثي، إلى عرض تحذيرات عبر منصات التواصل الاجتماعي تشير إلى أضرارها على صحة المراهقين، على غرار التحذيرات على علب التبغ. ووصف مورثي، الجرّاح العام في الولايات المتحدة، في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الاثنين الماضي، منصات التواصل الاجتماعي بأنها "مساهم مهم" في أزمة الصحة العقلية الشاملة بين الشباب.

وكتب: "حان الوقت للمطالبة بوضع علامة تحذيرية من الجرّاح العام على منصات التواصل الاجتماعي، تشير إلى أن هذه الوسائل مرتبطة بأضرار كبيرة على الصحة العقلية للمراهقين". وقال إن تمضية أكثر من ثلاث ساعات يوميّاً في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يضاعف خطر أعراض القلق والاكتئاب لدى المراهقين، وأشار إلى أن معدل الاستخدام اليومي في صيف عام 2023 كان ما يقرب من خمس ساعات.

وأضاف مورثي أن "رسالة التحذير الصادرة عن الجرّاح العام، والتي تتطلب إجراءً من الكونغرس، من شأنها أن تذكّر الأهل والمراهقين بانتظام بأن منصات التواصل الاجتماعي لم يثبت أنها آمنة". ولفت إلى أن "الأدلة المستمدة من دراسات التبغ تظهر أن الملصقات التحذيرية يمكن أن تزيد الوعي وتغيّر السلوك". وأشار إلى الإجراءات السابقة التي اتخذها المشرّعون لمعالجة الوفيات المرتفعة المرتبطة بالتنقل بالمركبات، بما في ذلك التفويضات التي تتطلب استخدام أحزمة الأمان والوسائد الهوائية واختبارات التصادم لجعل السيارات أكثر أماناً.

ظهرت الملصقات التي تحذّر من التأثير الصحي للتبغ لأول مرة على السجائر الأميركية بعد تفويض من الحكومة الفيدرالية عام 1965.

وعام 2023، أصدر مورثي تحذيراً صحياً، لفت فيه إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تمثل "خطراً كبيراً" على الأطفال، ونصح بعدم السماح للأطفال دون 13 عاماً بالاشتراك في التطبيقات. كما دعا الجرّاح العام المدارس في أنحاء الولايات المتحدة كافة إلى "التأكد من عدم استخدام الهاتف أثناء التعلم في الفصول الدراسية واللقاءات الاجتماعية التي يجريها التلامذة". قال أيضاً إنه يجب على الأهل الانتظار حتى ما بعد المدرسة الإعدادية قبل السماح لأطفالهم بالوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، داعياً إلى منع استخدام الأطفال للهواتف قبل وقت النوم وفي فترات الوجبات والتجمعات الاجتماعية.

هل الأضرار حقيقية فعلاً؟

عكس فيفيك مورثي، يشكّك علماء نفس ومدافعون عن حرية التعبير في فكرة أن الوقت الذي يقضيه المستخدم على مواقع التواصل الاجتماعي يؤدي بشكل مباشر إلى تدهور الصحة العقلية. ويقولون إن النقاش دقيق للغاية، ومن السابق لأوانه الإدلاء بتصريحات شاملة حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الأطفال.

وأشار تقرير لصحيفة واشنطن بوست إلى أن هناك أدلةً على أن أعراض تدهور الصحة العقلية بين الأطفال والمراهقين قد ارتفعت بشكل حاد بدءاً من الأزمة المالية العالمية عام 2007، ثم زادت أكثر في بداية وباء كوفيد-19. لكن البحث في دور مواقع التواصل الاجتماعي في هذه المشكلة قدّم نتائج متضاربة.

وجدت دراسات عدة أن استخدام منصات التواصل الاجتماعي يرتبط بانخفاض في مستوى راحة البال، لكن دراسات أخرى وجدت عكس ذلك. وربما تكون إحدى المشكلات هي أن مصطلحات مثل "استخدام مواقع التواصل الاجتماعي" و"الصحة العقلية" قد عُرّفت بشكل فضفاض وغير متسق وفقاً لتحليلات الدراسات الحالية. ومهما كان السبب، فإنه من الصعب على الباحثين العثور على علاقات سببية (بمعنى أن أ يسبب ب) بين مواقع التواصل الاجتماعي والصحة العقلية من دون التحكم بشكل وثيق في سلوك الأطفال.

تشير بعض الدراسات إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تجعل بعض الناس يشعرون بالسوء، لكن العلماء ما زالوا لا يفهمون السبب. ورجّح عالِم النفس التنموي في جامعة تكساس في أوستن، ديفيد ييغر، في حديثه لـ"واشنطن بوست"، أن المشكلة هي في المقارنة الاجتماعية، إذ نقارن حياتنا بجانب من حياة شخص آخر، أو ربما هو الشعور بالذنب، إذ نشعر بالكسل أو عدم الإنتاجية بعد قضاء الوقت في تصفّح مواقع التواصل. وأضاف ييغر أن خيبة الأمل والشعور بالذنب هما شعوران كامنان بالطبع، لكن مواقع التواصل الاجتماعي قد تؤججهما. ورأى ييغر أنه بدلاً من المجادلة حول ما إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي جيدة أم سيئة، من المهم معرفة كيفية تقليل ضرر العناصر السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي وتعظيم الاستفادة من عناصرها الجيدة. وأوضح قائلاً: "التكنولوجيا لدينا قد تغيّرت، لكن الطبيعة البشرية لم تتغير... الأشياء التي تحفزنا وتلك التي تجبرنا وتحاصرنا لا تزال كما هي".

وضربت الصحيفة مثلاً بالمخاوف التي ظهرت في عشرينيات القرن العشرين من كون الراديو قد يجعل الناس يتوقفون عن التواصل مع بعضهم البعض شخصياً، وهي مخاوف مشابهة لما يعبّر عنه الناس حالياً في زمن مواقع التواصل.

تكنولوجيا
التحديثات الحية

الأهشّ أكثر عرضة للمعاناة

وجدت بعض الدراسات أن الأطفال والمراهقين الذين يعانون بالفعل مشاكل في الصحة العقلية أو العاطفية هم أكثر عرضة للقلق أو الاكتئاب بسبب مواقع التواصل الاجتماعي. ووجدت دراسة أجريت عام 2018 أنه على الرغم من أن الوقت الذي نقضيه على مواقع التواصل الاجتماعي لا يرتبط مباشرة بالاكتئاب، فإن الشابات اللواتي يعانين من الاكتئاب يَمِلن إلى قضاء المزيد من الوقت على التطبيقات.

سرقة الوقت والانتباه

هدف شركات مواقع التواصل الاجتماعي الأول هو كسب المال، وتحقّق ذلك بإبقاء المستخدمين متسمّرين أمام الشاشات يشاهدون الإعلانات لتحقيق الإيرادات منهم. من أجل ذلك تستخدم الشركات طرقاً تتلاعب بانتباه المستخدم وعواطفه. أظهرت تقارير "واشنطن بوست" أن خوارزمية "فيسبوك" في مرحلة ما كانت تفضّل مشاعر الغضب على الإعجاب، لأن الغضب يميل إلى خلق المزيد من التفاعل.

وقال مدير منظمة "الكفاح من أجل المستقبل" غير الربحية المعنية بالحقوق الرقمية في الولايات المتحدة، إيفان غرير، إنه "بدلاً من تخويف الأطفال والآباء بأنصاف الحقائق، يجب أن نطالب بسياسات تجبر الشركات على إنهاء الممارسات التجارية الضارة مثل إعلانات المراقبة وميزات التصميم المتلاعِبة".

صورة المراهقين عن أجسادهم ودور منصات التواصل

ثلاثة من كل أربعة أطفال لا تزيد أعمارهم على 12 عاماً يكرهون أجسادهم ويشعرون بالإحراج من هيئتهم. وترتفع النسبة إلى ثمانية من بين كلّ عشرة شباب تراوح أعمارهم بين 18 و21 عاماً، بحسب دراسة نشرت خلاصاتها في يناير/ كانون الثاني 2023. وقال ما يقرب من نصف الأطفال والشباب الذين تراوح أعمارهم بين 12 و21 عاماً المشاركين في الدراسة إنّهم أصبحوا منعزلين، وبدأوا بممارسة الرياضة بشكل مفرط، وتوقفوا عن التواصل الاجتماعي تماماً، وفي بعض الأحيان قاموا بإيذاء أنفسهم، بسبب التنمّر على هيئتهم الجسدية بشكل منتظم عبر الإنترنت. كذلك أقرّ أربعة من كل عشرة بأنّهم يعانون أزمات نفسية، مع ما يقرب من واحد من كل خمسة يعاني مشاكل مع صورة الجسم، و14% يعانون صعوبات في الأكل، مثل حرمان أنفسهم الطعام، أو الأكل بنهم، أو حتى التقيؤ. وقال 95% من المشاركين إنّهم شعروا بالعجز عند محاولتهم الإقلاع عن استعمال منصات التواصل. وأقرّوا بأنّهم أكثر ميلاً للتوجه إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي للتغلب على مشاعرهم السلبية في ما يتعلّق بصورتهم لأجسادهم، بدلاً من الحديث إلى الأصدقاء والعائلة.

الأجهزة المحمولة في المدارس

صوتت منطقة مدارس لوس أنجليس لصالح فرض حظر كامل على استخدام الهواتف الذكية في المدارس العامة في المدينة، خلال يونيو/ حزيران الحالي. وجاء القرار في وقت يسعى فيه حاكم ولاية كاليفورنيا، الأكثر تعداداً بالسكان في الولايات المتحدة، غافن نيوسوم، إلى حظر استخدام هذه الأجهزة في المدرسة، للحد من تأثيرها على صحة الطلاب العقلية. وفي لوس أنجليس، التي تضمّ ثاني أكبر منطقة مدرسية في البلاد، سيتعين على إدارات المدارس وضع خطة لمنع استخدام الهواتف المحمولة وشبكات التواصل الاجتماعي طوال اليوم.

واستشهد القرار بأبحاث تشير إلى أن الاستخدام المفرط للهواتف المحمولة يرتبط بزيادة التوتر والقلق والاكتئاب ومشاكل النوم وبمشاعر عدوانية وأفكار انتحارية بين المراهقين، وكذلك بالتحذير الذي أطلقه فيفيك مورثي.

أظهرت الدراسات أيضاً تحسناً في الأداء المدرسي لدى التلامذة الذين لا يستخدمون الهواتف الذكية. ويتعين حصول مشروع القانون هذا أولاً على موافقة البرلمانيين المحليين في هذه الولاية التي يهيمن عليها الديمقراطيون.

ويسود في الولايات المتحدة، مهد الشبكات الاجتماعية، قلق متزايد بشأن تأثير هذه المنصات على حياة الشباب الأميركيين. ففي فلوريدا التي يحكمها خصم نيوسوم، الجمهوري رون ديسانتيس، على سبيل المثال، حظرت الولاية استخدام الهواتف الذكية في المدارس العام الماضي. ويجري العمل على مشاريع مماثلة في ولايات أوكلاهوما وكانساس وفيرمونت وأوهايو ولويزيانا وبنسلفانيا.

وفي السياق نفسه، قالت وزيرة التعليم القبرصية أثينا ميكايليدو، الأربعاء الماضي، إن بلادها تعتزم فرض حظر على استخدام الهواتف المحمولة في المدارس، مشيرة إلى أنها تتسبب في تشتيت انتباه الطلاب وتعزلهم عن المجتمع.

المساهمون