استمع إلى الملخص
- **دور إيلون ماسك والمطالبات بتشديد الرقابة**: يواجه إيلون ماسك اتهامات بتأجيج التوترات بعد نشره أن الحرب الأهلية أصبحت "حتمية" في بريطانيا، مما أثار مطالبات بتشديد الرقابة على المحتوى الضار.
- **الحلول المقترحة لمواجهة التطرف**: أكد الخبراء على ضرورة تطوير رؤية استراتيجية شاملة لمواجهة التطرف، مع تحمل شركات التكنولوجيا مسؤولياتها بجدية أكبر في مواجهة المحتوى غير القانوني.
في ظل الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها المملكة المتحدة خلال الأيام الأخيرة، بات واضحاً أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت مسرحاً رئيسياً لانتشار التطرف وتأجيج العنف. وقد انتقد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مباشرة شركات التكنولوجيا المالكة منصات التواصل الاجتماعي، إذ انتشرت عبرها، وبشكل سريع، معلومات زائفة غذت عنف اليمينيين المتطرفين حول أكسل روداكوبانا مرتكب حادث طعن جماعي أسفر عن مقتل ثلاث فتيات يوم الاثنين ما قبل الماضي. إذ انتشرت مزاعم بأن منفذ الهجوم لاجئ سوري، بينما هو في الواقع وُلد في كارديف في ويلز، وعاش في بريطانيا طوال حياته، ووالداه من رواندا. خبر كاذب آخر غذّى عنف العنصريين أن أكسل روداكوبانا مسلم، لكن الحقيقة أنه من عائلة مسيحية ملتزمة بطقوس ونشاطات كنيستهم المحلية في قريتهم. وجرى تضخيم المعلومات المضللة من قبل المحرضين اليمينيين المتطرفين الذين لديهم الكثير من المتابعين على شبكة الإنترنت.
وفي هذا السياق، يواجه الملياردير الأميركي إيلون ماسك اتهامات بتأجيج التوتر، الأمر الذي أثار مطالبات للحكومة بتسريع تطبيق قوانين تراقب المحتوى الضار على الإنترنت. إذ خلال اشتباك مثيري الشغب مع الشرطة في بعض البلدات والمدن، انضم ماسك إلى النقاش على منصته إكس، ونشر أن الحرب الأهلية أصبحت "حتمية" في بريطانيا.
وفي إطار محاولة فهم الإجراءات الممكنة للحد من تأثير هذا المحتوى المتطرف، قال الدكتور غافين هارت، محاضر أول في علم الجريمة في جامعة ليفربول الذي يركز حالياً في عمله على التطرف عبر الإنترنت، لـ"العربي الجديد"، إن تنظيم منصات التواصل صعب على صانعي السياسات، ويتطلب تدخلاً مباشراً من قبل الشركات المالكة. وأوضح أنّه رغم أن بعض المنصات، مثل "فيسبوك"، اتخذت خطوات ملموسة للحد من انتشار المعلومات المضللة، إلا أن "إكس" (تويتر سابقاً) مثلاً تحولت إلى بؤرة للأكاذيب. وشدد على الحاجة الماسة لوضع لوائح تنظيمية تُلزم شركات منصات التواصل الاجتماعي بمراقبة المحتوى. وفي حال فشل الشركات في القيام بذلك، قد تضطر الحكومة إلى فرض قيود تنظيمية على أنواع معينة من المحتوى.
مع ذلك، أكّد هارت أنّ عملية حظر المحتويات الضارة "تبقى تحدياً كبيراً يشبه البحث عن إبرة في كومة قش". ونبه إلى أنّ المشكلة تتعقّد لأن اليمينيين المتطرفين لم يعودوا يروجون الكثير من دعاياتهم تحت أسماء معروفة مثل "رابطة الدفاع الإنكليزية" و"بريطانيا أولاً"، بل ينشرون محتوياتهم من دون تصنيفها، ما يجعل التعرف على مصدرها صعباً. ورأى أن الحل يكمن في تعزيز المناهج التعليمية في سن مبكرة لتوعية الطلاب بكيفية التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، لمساعدة الناس على تمييز الدعاية الصريحة التي صممت فقط من أجل نشر توجهات أيديولوجية معينة.
من جهته، قال البروفيسور جوليان ريتشاردز، مؤسس ومدير برنامج "المركز الجديد لدراسات الأمن والاستخبارات" (BUCSIS) في جامعة باكنغهام، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنّ التصدي للتهديدات المتطرفة يتطلب تطوير رؤية استراتيجية شاملة، وإن هدف البرنامج إعداد الجيل القادم من المتخصّصين في مجال الأمن ممن يملكون مهارات قيادية للتعامل مع التهديدات مثل التطرف اليميني. وأكد ريتشاردز أن البيئة السياسية حالياً معقدة للغاية، إذ تتداخل اتجاهات التطرف المختلفة مع التكنولوجيا التي باتت تلعب دوراً مهما في هذا السياق. وأقرّ بأنّه "لا يوجد حل واحد لهذه القضية...". وما يثير قلقه، من منظور أمني، هو أن منصات التواصل الاجتماعي تسهل بشكل كبير عمليات تعبئة المجموعات المتطرفة في مختلف أنحاء البلاد، ما يساعدها على تنظيم صفوفها بشكل أكثر فعالية.
وفقًا لبحث أجراه معهد الحوار الاستراتيجي (ISD) بالتعاون مع هيئة مراقبة الاتصالات في المملكة المتحدة "أوفكوم"، تمكنت الجماعات اليمينية المتطرفة في بريطانيا من الوصول إلى مئات الآلاف من المستخدمين عبر هذه المنتديات. ويبيّن البحث أنّ العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة أدّى إلى تنشيط العديد من هذه الجماعات وانقسام الآراء داخل البلاد، إذ دعم القوميون المدنيون الاحتلال وروجوا مواقف معادية للإسلام، بينما أبدى القوميون البيض دعمهم حركة حماس في رد فعل مضلل على كراهيتهم اليهود. وتشير بيانات حديثة إلى أن 95% من القاصرين المتهمين بجرائم تتعلق بالإرهاب في المملكة المتحدة مرتبطون بأيديولوجيات يمينية متطرفة.
أثبتت أعمال الشغب التي اندلعت في عدة مدن بريطانية الأسبوع الماضي قوة الشبكات الرقمية، حيث اعتمدت المجموعات المتطرفة على تطبيقات المراسلة للترويج للاحتجاجات، واستخدمت منصات التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات، بينما لجأت إلى منصات الفيديو لبث الأحداث بشكل مباشر.
رداً على ذلك، أكدت "أوفكوم" أن شركات التكنولوجيا يجب أن تتحمل مسؤولياتها بجدية أكبر في مواجهة المحتوى غير القانوني على منصاتها. وبموجب قانون السلامة عبر الإنترنت الذي سيبدأ تطبيقه تدريجياً خلال السنوات المقبلة، ستُفرض رقابة صارمة على المحتوى الذي يروّج الكراهية والعنف أو يزيف الحقائق.