يضم موقع أرشيف ملصق فلسطين أكثر من 18 ألفاً من الملصقات والوثائق المصورة المتعلقة بفلسطين. تغطي هذه الملصقات والوثائق المصورة أكثر من خمسة عقود، بداية من القرن الخامس عشر الميلادي، وحتى الوقت الحاضر، ما يجعل من هذا الموقع أكبر أرشيف للملصقات والوثائق المصورة على الإطلاق. تحمل هذه الوثائق والملصقات أهمية كبيرة للباحثين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، إذ تتيح لهم تتبع مسار القضية الفلسطينية منذ ظهور فكرة الدولة الصهيونية، وحتى العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.
تبرز الأهمية الكبيرة لهذا الأرشيف الشامل، في كون هذه الملصقات تمثّل إحدى أهم الوسائل الدعائية التي وُظّفت على نحو مستمر ومتواصل على مدى أكثر من مئة عام. كل الأطراف الفاعلة والمشاركة، حاولت أن تستعمل هذه الملصقات في النضال الفلسطيني ضد الصهيوني. ولهذا، قد يتيح الاطلاع على هذه الأعمال الفنية، فهماً تاريخياً أوسع وأكثر شمولاً للعديد من الأحداث والوقائع التاريخية.
ما يميز هذه الملصقات، أنها تضيء على عديد من التفاصيل المرتبطة بالأحداث الفارقة، كالدعوة إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. من خلال هذه الملصقات، يمكن التعرف إلى الأفكار التي اعتمدت عليها الدعاية الصهيونية لحث اليهود الأوروبيين على الهجرة إلى فلسطين، وإقناع المجتمع الغربي بضرورتها وحتميتها، إلى الحد الذي دفع فنانا شهيرا، مثل سلفادور دالي، إلى تصميم مجموعة من الملصقات الدعائية من أجل الترويج لهذا الأمر، متبنياً الأفكار التوراتية نفسها التي اعتمدت عليها الدعاية الصهيونية. يتضمن هذا الأرشيف نماذج من هذه الملصقات التي صممها دالي. كما يدفعنا تصفح هذه الملصقات، مثلاً، إلى البحث حول الملابسات التي جمعت عالماً فيزيائياً، مثل ألبرت أينشتاين، مع بن غوريون، أول رئيس وزراء لكيان الاحتلال، في صورة واحدة.
تتوغل تلك الملصقات، أيضاً، في التفاصيل المرتبطة بالحركات العمالية والطلابية في روسيا وشرق أوروبا، خلال النصف الأول من القرن العشرين، وتلقي بالضوء على الوسائل التي اتبعتها الدعاية الصهيونية لتوظيف هذه الحركات من أجل الترويج لأفكارها. تشمل هذه الملصقات التي يضمها الموقع، طوابع بريدية ومواد دعائية وأخرى ساخرة، وإعلانات لأفلام وصور فوتوغرافية ورسومات وخرائط قديمة.
أسس هذا الموقع وجمع مادته، الباحث والأكاديمي الأميركي دان والش، لدعم أطروحته العلمية حول النضال في الشرق الأوسط، وتوفير مادة بصرية يمكن الاعتماد عليها في طرح أفكاره. بدأ والش في جمع هذه الملصقات أثناء فترة تطوعه، في منتصف السبعينيات، ضمن إحدى المجموعات الطلابية التي تحمل عنوان "فيلق السلام". مع نهاية عقد السبعينيات، استطاع الباحث الأميركي جمع قرابة 300 ملصق متعلق بفلسطين. وبدعم من المفكر الفلسطيني الراحل، إدوارد سعيد، حصل الباحث على منحة صغيرة لتحويل هذه الملصقات والوثائق إلى عرض شرائح تعليمي، يهدف إلى تعزيز فهم أفضل للشعوب الأخرى من جانب الأميركيين، وهو أحد أهداف مجموعة فيلق السلام المُشار إليها. لم يكن يخطر في بال والش، حينها، أن هذا العمل سيمتد معه طوال حياته، ويصبح شغله الشاغل خلال العقود الثلاثة اللاحقة.
ظل أرشيف الملصقات التي يجمعها والش يتراكم من عام إلى آخر، ولا يزال يضيف إليه حتى اليوم. يضم هذا الأرشيف أقدم خريطة لمدينة القدس، تعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي، مع شرح باللغة الرومانية لأهم المعالم المقدسة داخل أسوار المدينة وخارجها. يضم الأرشيف كذلك أقدم ملصق لفلسطين سُجّل حتى الآن، إذ يعود إلى عام 1898، ويمثل مشهداً طبيعياً يطل على مدينة القدس. بين محتويات الأرشيف كذلك، أول ملصق عربي عن فلسطين صُمّم في عام النكبة (1948). في هذا الملصق، يظهر جندي بملابس عربية حاملاً بندقية. في أعلى الملصق، تظهر عبارة "لبيك يا فلسطين"، وفي الأسفل كتب بخط واضح: "تبرعوا.. من أجل فلسطين.. من أجل لبنان.. من أجل العرب". طُبع هذا الملصق الأخير في لبنان عام 1948 وهو موقّع باسم رأفت. كما تضم المجموعة ملصقاً دعائياً لأول فيلم سينمائي مصري عن فلسطين، يحمل عنوان "فتاة من فلسطين"، من إنتاج عام 1949، ومن بطولة محمود ذو الفقار وسعاد محمد.
يجمع الباحث الأميركي هذه الملصقات من مصادر مختلفة. من أجل تسهيل عملية البحث، يتبع مساراً أكاديمياً محدداً يُعرّف خلاله الملصق الفلسطيني بأنه "أي ملصق يحمل كلمة فلسطين بأي لغة ومن أي مصدر أو فترة زمنية". يهتم والش، أيضاً، كما يقول، بجمع أي ملصق يتعلق بالصهيونية، بأي لغة ومن أي مصدر بعد 29 أغسطس/آب عام 1897، وهو تاريخ المؤتمر الأول للمنظمة الصهيونية في مدينة بازل في سويسرا، بزعامة تيودور هرتزل. يتيح هذا التنوع فهماً أفضل للأفكار الدعائية التي اعتمدت عليها الحركة الصهيونية، ويلقي الضوء على أهم المحطات في هذا الصراع، ودوافع الدول الكبرى في تشكيل ملامحه الأولى.
من خلال تتبع هذا الأرشيف الضخم، يلفت الباحث الأميركي الانتباه إلى التغيرات التي طرأت على صناعة الملصق الفلسطيني عبر أكثر من مائة عام. من بين أبرز سمات هذا التغير الذي طرأ على صناعة الملصقات، كما يقول والش، هو سهولة إنتاجها مقارنةً بالسابق؛ إذ كانت الملصقات تطبع أولاً ثم توزع في جميع أنحاء العالم. ولكن، بعد الانتشار الواسع للإنترنت، تحول هذا الإنتاج إلى نظام يتحكّم فيه المستخدمون في مواقع لا تعد ولا تحصى.
يرى والش، أيضاً، أن الملصقات المتعلقة بفلسطين، تختلف عن غيرها من الملصقات السياسية الأخرى، إذ يُصمّم ويُطبع ويُوزّع مزيد من الملصقات الفلسطينية اليوم أكثر من أي وقت مضى. وبهذه السمة، يختلف الملصق الفلسطيني عن معظم أنواع الفن السياسي في القرن العشرين. هذه الأنواع انتهت جميعها في الغالب في غضون سنوات معدودة أو بضعة عقود. على عكس ذلك، يستمر الملصق الفلسطيني في التطور والنمو بشكل مطرد على مدى أكثر من مائة عام، وحتى الوقت الحاضر.