مسلسل "قرار وزير"... صور نمطية لمسؤول فاسد وآخر شريف
نور عويتي
في كل عام، يتضاءل عدد المسلسلات السورية الكوميدية وتتراجع شعبيتها عند الجمهور محلياً وعربياً. وظل الوضع يتدهور إلى أن صارت الكوميديا السورية في رمضان 2023 باهتة تماماً، وخالية كلياً من نجوم الصف الأول، ولم يُعرض منها سوى عدد محدود على القنوات المحلية قليلة الانتشار. قد يكون "قرار وزير" هو المسلسل الوحيد بينها الذي حظي ببعض الاحتفاء والترويج، واعتمد بحملته الترويجية على ثنائية جرجس جبارة وحسين عباس، التي نجحت في "ضيعة ضايعة" بمشاهد رجال الشرطة الفرعية.
"قرار وزير" يشبه بموضوعه العديد من المسلسلات الكوميدية السورية التي أنتجت في التسعينيات، التي تدور أحداثها في أروقة الوزارات والمديريات العامة ومنازل المسؤولين. في هذا النوع من المسلسلات، تتمحور الأحداث حول حياة المسؤولين ورجال الدولة وكفاحهم ضد الفساد، ودائماً ما تُبنى الحبكة بالطريقة ذاتها؛ إذ يتم تصوير البطل كمسؤول شريف يكافح الفساد وحيداً، رغم كل ما يتعرض له من ضغوط، خصوصاً من زوجته ومطالبها التي لا تتناسب إطلاقاً مع إمكانيات الموظف الشريف.
مشكلة هذه الحكاية، التي صوّرت أول مرة في مسلسل "يوميات مدير عام"، وتكررت في لوحات "مرايا" و"بقعة ضوء" ومسلسلات أخرى لأيمن زيدان، أنها تحقّر النساء وتسخّفهن، وتجعلهن يبدون كمصدر للشرور والمصائب.
وفقاً لهذا المنطق، ترسم هذه المسلسلات صورا نمطية للمسؤول الفاسد والمسؤول الشريف النزيه؛ فالأول هو ضحية لـ"نق النسوان"، بينما الثاني هو قبل كل شيء الرجل الذي يعرف كيف يضع حداً لنزوات زوجته وأفراد عائلته المتطلبين الذين لا تقنعهم الحياة العفيفة التي يؤمنها راتبه كموظف لدى الدولة. هذه الصور النمطية باتت أكثر هزلية في الوقت الحالي، الذي باتت فيه رواتب الموظفين لا تلبي المستلزمات الأساسية لأي عائلة سورية. وها هي القنوات السورية تعرض ذات المسلسلات، لتصوّر لنا قيمة السلع الغذائية، التي قد يتجاوز سعر العبوة الواحدة منها نصف راتب موظف الدولة.
ولحل هذه المفارقة، تلجأ الأعمال الدرامية السورية دائماً إلى الحل نفسه، وتصوّر المسؤول الشريف كرجل مقتدر جمع المال من عمل سابق؛ فالمدير في "مسلسل يوميات مدير عام" كان طبيباً، والوزير في "قرار وزير" كان محامياً، وكل المدراء الشرفاء يعيشون حياة كريمة بالمسلسلات السورية بسبب أعمالهم السابقة وما ورثوه من ممتلكات. لكن هل يمكن أن يعيش المسؤول الشريف حياة كريمة إذا لم يكن يملك هذه الامتيازات؟
"قرار وزير" يشبه كثيراً تلك المسلسلات التي كان بعضهم يعتبرها جريئةً في التسعينيات وبداية الألفية، لكنه أسوأ منها لعدة أسباب؛ بعضها يتعلق بالظروف الذي أنتج فيها العمل، ورداءة الصنعة والأداء، وبعضها الآخر يتعلق بالرسائل المبطنة التي يقدمها المسلسل، أبرزها: أن العمل يحاول أن يصور المسؤولين في سورية كضحايا، الجميع من حولهم ينتظر وقوعهم والشماتة فيهم. ولتحقيق هذه الأهداف الخسيسة يتآمر عليهم الناس وأفراد فاسدون في موقع السلطة، كما يفعل رجال الشرطة الذين كانوا لفترة تحت إمرة الوزير الصالح وتضررت مصالحهم. وبعد قرار الوزير بالاستقالة، يسخرون كل إمكانياتهم للإيقاع فيه وإذلاله، ناهيك عن الصور الوردية التي يرسمها المسلسل للحياة في سورية، التي لا يعكر صفوها سوى فساد ضعاف النفوس.