مسلسل "حلاوة الروح".. خارج سرب رداءة دراما 2014

25 يوليو 2014
مسلسل "حلاوة الروح" تميز عن باقي الدراما العربية في2014
+ الخط -
يحتاج مسلسل "حلاوة الروح" إلى قراءتين متوازيتين متلازمتين معاً، حتّى لا تنفي أحكام الواحدة منهما أحكام الأخرى على العمل. الأولى بوصفه مسلسلاً درامياً وحسب، والثانية بوصفه مسلسلاً درامياً يتناول أحداث الربيع العربي، لاسيّما ما آلت إليه الأوضاع في سورية بعد ثورة 15 مارس/آذار 2011.

الفصل هنا ضرورة يقتضيها عدم الانتقاص من القيمة الدرامية لمسلسل "حلاوة الروح"، على صعيد النصّ والإخراج والأداء، إذا ما عالجنا كيفية مقاربته أحداث الربيع العربي. فالعمل، في غالبية تفاصيل حكايته، يعيد إنتاج الصورة التي اعتدناها في نشرات الأخبار، وفي ما تبثّه عشرات الفيديوهات على موقع اليوتيوب.

 كنّا من قبل (راجع "العربي الجديد" 27 يونيو 2014: مسلسل "حلاوة الروح".. خطاب درامي يمثل الجميع ولا يجمعهم) قد سلمنا بصعوبة المهمة التي سيقوم بها كاتب العمل رافي وهبي  خلال مقاربة ما حدث ويحدث على الأرض تحت لافتة الربيع العربي. وتوقّعنا ردود فعل منقسمة، حين يبحث الكاتب عن خطاب جديد لمسلسله بعيداً عن منطق المؤيّد والمعارض أو حتّى الحيادي. خطاب يكون جامعاً يمثّل الجميع ولا يجمعهم.

وكان النقّاد ينتظرون أن يشمل هذا الخطاب مفردات الحدث الساخن على الأرض، وصولاً إلى إثارة أسئلة تمسّ شريحة أكبر من الناس، لا تتوقّف عند لهيب المعارك وأزيز الرصاص، بل تتجاوز ذلك نحو تكثيف درامي لحالات الفقد والاعتقال والخطف والتهجير واللجوء، المتعلّقة بالحدث السوري. خطاب لا ينتهي عند معاناة يومية يعيشها الناس اليوم في سورية.

لكن ماذا قدّم "حلاوة الروح" من فسيفساء الحدث السوري؟
قدّم حكاية عن تمدد سرطاني للمتأسلمين، وصراع على آثار مسروقة تكشف عن نماذج طيبة ونبلاء حرب، كما تكشف عن تجّارها. ووسط هذا الصراع تولد حكاية حبّ وتكبر!

لعلّ مفردات هذه الحكاية، بالأسلوب الإخراجي الذي قدّمها، تصلح لاحقاً لسيناريو فيلم سينمائي يمتلك من عناصر جاذبيته ما يحبس الأنفاس طوال دقائق عرضه. لكنّها لا تصلح لمسلسل في مثل هذا التوقيت. فالعمل نجح في نبش الوجع السوري اليوم، لكنّه لم ينبش من الوجع معظمه.

وهو، وإن سعى إلى تقديم خطاب جامع، إلا أنّه قدّم خطاباً لم يمثّل الجميع، ولن يستطيع أن يجمعهم، بطبيعة الحال. وقد بدأنا نسمع أصواتاً معترضة ومنتقدة للعمل من طرفي الصراع في سورية، موالاة ومعارضة، تتساءل، كلّ منها، وبمنطقها، وضمن الدائرة الضيقة للأحداث التي اختارها رافي وهبي، عن سبب تغييب فصائل مقاتلة على الأرض وعن الصورة التي قدّم بها وهبي ما اختار تقديمه من فصائل.

بعيداً عن تلك القراءة، يقدم رافي وهبي في "حلاوة الروح" نصاً متماسكاً ينطوي على فعل تراجيدي عالي الإحساس، يمضي وفق بناء درامي، تتصاعد أحداثه بإيقاع متسارع (يخفّف منه الإيقاع الإخراجي البطيء). وهو يدعم ذلك كلّه، أي وهبي، بمشهدية غنية بالتفاصيل وعناصر التشويق.

مشكلة النص وربما معاناته، كانت بالتزامه شرطا تسويقيا يريد للحكاية أن تقدّم بخلطة من نجوم الدراما العربية. وربما نجح رافي وهبي في إيجاد المبرّر الدرامي كي يأتي بأب مصري وزوجة سورية وحبيبة / صديقة لبنانية في حكاية واحدة. وربما نجح في توزيع أبطالها بين الخليج ومصر ولبنان وسورية... لكنّ ذلك كلّه، فيما بعد، شكّل ثوباً فضفاضاً على الحكاية.

لنا أن نسأل: ماذا لو كان الأب لبنانياً أو سورياً ومديراً لمحطة تلفزيونية في لبنان، وكانت مطلّقته وابنته تعيشان في البلد ذاته، وحصرنا الأحداث بين بلد يضم الأحداث وبلد مفترض للجوء؟ هل كان تغيّر شيء أساسي في صيرورة الحكاية أو بنائها الدرامي أو رسائلها المفترضة؟

نكاد نجزم أنّه لن يتغيّر شيء سوى الإخلال بشرط تسويقي يريد أن يخلط اللهجات ليخلط معها أسواق العرض والإعلان. فالطاقة الدرامية والوجدانية التي يختزنها النصّ يترجمها أداء لافت لعدد من الممثلين، في مقدمهم الثنائي مكسيم خليل ودانا مارديني. ففي العمل يؤكّد مكسيم خليل أنّ كثيراً من أدواته التمثيلية لم يكشفها بعد، وهو ما زال يأخذنا في أدواره الأخيرة نحو مطارح جديدة على صعيد اللعب التمثيلي والأداء والتماهي مع ما تطلبه الشخصية وصولاً إلى تقديمها بدرجة عالية من الإقناع.

كذلك تخطو دانا مارديني بعد مسلسل "سنعود بعد قليل" خطوة أكبر إلى الأمام. دانا، التي تنأى بنفسها عن أسباب النجومية السريعة، تقدّم نفسها في "حلاوة الروح" محترفة بنَفَس هاوية. ولندقّق في نظرات الخوف على وجهها وتوتّرها خلال العمل لندرك أحقيّة مارديني بنجوميتها.

على صعيد الصورة الإخراجية، ينجح المخرج شوقي الماجري في الحفاظ على حرارة المشاهد وطاقتها الدرامية في المسلسل. ومقارنة بعدد من المخرجين يبدي قدرة كبيرة على تأطير أحداث مسلسله بصورة تنبض بالحياة والجمال. لكنّ العمل، إذا قيسَ بما قدَمه الماجري سابقا، يراوح إخراجياً في مكانه، لا سيّما أنّه أعاد إنتاج الصورة ذاتها التي كان قد قدّمها في مسلسله "الاجتياح". حتى تكاد الصور في المسلسلين تتماهى بعضها مع بعض.

في حصيلة عامة يبقى "حلاوة الروح" دراما عربية بعناصر متميّزة، تحلّق، إلى جانب أعمال قليلة، خارج سرب الرداءة والعادية، اللتين تميّزان دراما 2014 العربية.

المساهمون