مسلسل "باب الحارة" باقٍ ما بقي شهر رمضان
تتلخص مهزلة الدراما السورية بمسلسل "باب الحارة"، والمنتج الذي يدير الفن بعقلية تاجر المواشي، محمد قبنض. الرجل يؤمن بمبدأ واحد: "إذا كانت لديك دجاجة تبيض ذهباً، فلا تذبحها"، وظلّ هكذا يجتر نجاح الأجزاء الأولى من "باب الحارة"، ولم يوقف عجلة الإنتاج رغم ما تعرض إليه العمل من انتقادات وسخرية لاذعة، إلى أن وصل في هذا الموسم إلى الجزء الثالث عشر منه وهو ميت سريرياً، إذ تخلى عنه كل نجوم الصفين الأول والثاني ممن شاركوا بالأجزاء السابقة، ولم يبقَ فيه سوى الكومبارس وأنصاف المواهب، إلى جانب بعض الممثلين المهمشين، الذين اضطروا إلى المشاركة بـ"باب الحارة" في الأجزاء الأخيرة، وحتماً سيأتي اليوم الذي يعلنون فيه عن ندمهم لخوض هذه التجربة، كما فعل معظم الممثلين المشاركين من قبلهم.
وصل "باب الحارة" إلى حالة يُرثى لها حقاً، لدرجة أنه بات يحتفي بعودة ممثل برتبة كومبارس، كنزار أبو حجر، للمشاركة في المسلسل من جديد بعد غياب تسعة مواسم. هذا الخبر تصدّر عناوين التقارير والفيديوهات المعلنة عن الجزء الجديد من المسلسل، وتم التعاطي مع عودة شخصية بياع البليلة وكأنها حدث تشويقي قد يحفز الجمهور على متابعة العمل مجدداً، بعد أن تضاءلت أعداد متابعيه. لكن ذلك لن يفلح طبعاً، فنزار أبو حجر ليس عباس النوري أو سامر المصري أو بسام كوسا ولا حتى ميلاد يوسف، ولا يميزه إلا طبقة الصوت المفتعلة التي يستخدمها دائماً، والتي تتراوح بين النواح والمواء، ومشاركته في سيرك "باب الحارة" الآن ستزيد في الطنبور نغماً.
عند متابعة الحلقة الأولى من الجزء الجديد من "باب الحارة"، سنفاجأ بأن كل الحكايات القديمة التي نعرفها من المسلسل تلاشت تماماً ولم يعد لها أثر، ولا يمكن متابعته سوى كعمل جديد لم يرث عن أجزائه السابقة سوى سمعته السيئة. والأسوأ أن صنّاع المسلسل يفترضون بأن شخصياتهم غنية عن التعريف، ولا يقدمون حلقات افتتاحية نموذجية للتعريف بها.
يبدأ الجزء الثالث عشر بمشهد مثير للسخرية، نشاهد فيه رجال حارة الضبع وهم يزحفون من البساتين نحو المدينة، ليحرروا سورية من الاحتلال الفرنسي. مشهد المعركة الرديء يبين أن رجال حارة الضبع أكثر تنظيماً وكفاءة من الجيش الفرنسي، الذي اعتاد في سلسلة "باب الحارة" على الخسارة والرضوخ لمطالب حارة الضبع. لكن مطالب الزعيم الجديد كانت مختلفة هذه المرة، فهو لا يطالب الفرنسيين باحترام عاداتهم ومعرفة حدودهم التي تنتهي على أعتاب باب حارة الضبع، وإنما يطالب بجلاء الجيش الفرنسي عن سورية، ليفاجئنا "باب الحارة" مجدداً بقدرته على تسطيح التاريخ وتشويهه.
الغريب أن صنّاع المسلسل يصرون على تقديم رواية تاريخية، ووضع الأحداث السخيفة في سياق تاريخي. وفي هذا الجزء شارفنا على نهاية الحرب العالمية، التي يشرح لنا الضابط الفرنسي مجرياتها بدقة، ويتنبأ بالمستقبل حين يقول إن الحرب ستنتهي قريباً عندما يُهزم هتلر في روسيا.
لا نعرف سبب سرد هذه الرواية التاريخية المقتضبة في "باب الحارة". هل يحاول المسلسل أن يتفادى الانتقادات التي تسخفه لكونه خارج خريطة التاريخ؟ أم أن الهدف هو استثمار "باب الحارة" في دعم بروباغندا الحليف الروسي، وهو يبدو الاحتمال الأرجح.