ظهر اسم مسرح الحرية في مخيم جنين، أخيراً، على قائمة المؤسسات المرشحة لجائزة نوبل للسلام لعام 2024، وهو المسرح الذي ورث مسرح الحجر (أسسته آرنا مير خميس في جنين عام 1992).
وكشف المدير الفني لمسرح الحرية، أحمد طوباسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الترشيح تم عبر البرلمانية النرويجية هيجي باي نيهولت، مُمثلة الحزب الأحمر في البرلمان النرويجي، لافتاً إلى أنه في العامين الأخيرين، كان لمسرح الحرية نشاط محموم ومؤثر في النرويج، بالتعاون مع العديد من الفنانين هناك، ومسرح "نورديك بلاك" أو "الشمال الأسود" في أوسلو.
ورغم أن الترشيحات تظل سرية تمامًا، إلا أن عدداً من البرلمانيين النرويجيين وغيرهم من الأكاديميين يتمتعون بامتياز الإعلان علنًا عن مرشحيهم المفضلين.
مسرح الحرية... حركة نضالية
يجد طوباسي في هذا الترشيح ما يدلل على أن مسرح الحرية يتجاوز كونه محض مؤسسة ثقافية فنية، معتبراً إياه حركة نضالية تقاوم الاحتلال من خلال الفن، وعبر بعد إنساني. فمؤسس المسرح جوليانو مير خميس، وقبل اغتياله، كان أشار إلى أن مسرح الحرية في حال تحرير فلسطين، سينتقل إلى أي مكان في العالم يعاني شعبه من اضطهاد، فهو مؤسسة عالمية الرؤى، فلسطينية القضية والجغرافيا، وهو ما عكسته مشاريعه وإنتاجاته المسرحية وغير المسرحية، وآخرها "وعد الثورة"، وهو مشروع توثيقي يجمع شهادات فنانين فلسطينيين تعرّضوا لاضطهاد من قبل الاحتلال بسبب عملهم في القطاع الثقافي والفني في فلسطين.
وشدد طوباسي على أن مسرح الحرية، مؤسسة تقوم على فكرة المقاومة بالثقافة والفنون، وفضح جرائم الاحتلال وتجاوزاته من خلال المشاريع المسرحية التي تقدمها، لذا "دفعت أثماناً باهظة، منذ الرعيل الأول، حيث تعرّض كل فريق مسرحية (القنديل الصغير) للاغتيال من قبل الاحتلال، خلال اجتياح المخيم وارتكاب مجزرة فيه عام 2002، في إطار ما عرف، حينذاك، بعملية (السور الواقي)، باستثناء زكريا الزبيدي الذي استشهدت أمه وشقيقه، وقتذاك، وهو معتقل في سجون الاحتلال منذ عام 2019، واختير مديراً للمسرح عام 2008، في حين اغتيل جوليانو أمام مدخل المسرح في إبريل/نيسان 2011".
وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، اقتحمت قوات الاحتلال، ضمن سلسلة اقتحاماتها المتكررة لمخيم جنين، مقر مسرح الحرية، ودمّرت أجزاء فيه ومعدات إلكترونية، وملصقات لأعمال مسرحية، وخطت عبارات عنصرية بالعبرية داخله. كذلك اعتقل الاحتلال مدير عام المسرح مصطفى شتا وأصدر حكما بسجنه ستة أشهر من دون لائحة اتهام، كما اعتقل الفنان جمال أبو جعص. وقبل ذلك بأكثر من عام، اعتقل رئيس مجلس إدارة المسرح بلال السعدي، ومدّد سجنه إدارياً (من دون لائحة اتهام) لثلاث مرات، بواقع أربعة أشهر في كل مرة، في حين اعتقل طوباسي نفسه قرابة 24 ساعة قبل الإفراج عنه لكونه يحمل الجنسية النرويجية، ولا لائحة اتهام بحقه.
تمثيل القضية الفلسطينية
أكد طوباسي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال يزعجه نموذج مسرح الحرية الذي يقدم القضية الفلسطينية العادلة بطريقة حضارية يتقبلها العالم، بل ويرحب بها، خاصة أن الاحتلال لطالما عمد إلى شيطنة الفلسطيني، في حين عمد المسرح إلى أنسنته، مؤكداً على حقيقة أن الشعب الفلسطيني صاحب حق، ومحب للحياة والسلام، وهو نموذج حضاري راق وحديث في التعبير عن الفلسطينيين، وهو ما لا يروق لسلطات الاحتلال.
ولفت طوباسي إلى أن آخر أعمال المسرح كان "مترو غزة"، وهي مسرحية دشنت النسخة الأخيرة من مهرجان المسرح العربي بدورته الأخيرة في بغداد، سبقها عرض في العاصمة الأردنية عمّان، وقريباً في تونس وعدد من الدول الأوروبية بينها سويسرا وفرنسا، وهو عمل يتناول ثيمات الهوية الفلسطينية، والوحدة، وسياسات الاحتلال في تقطيع أوصال الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية، خصوصاً بين الضفة وغزة.
وكان المسرح، وعبر صفحته الرسمية في "فيسبوك"، عبّر قبل يومين، عن فخره بترشحه لجائزة نوبل للسلام، مشيراً إلى أنه حركة فنية انطلقت من مخيم جنين إلى جميع أنحاء العالم، وإلى أنه يستمد رؤيته من مؤسسي المسرح جوليانو مير خميس الذي اغتيل عام 2011، وزكريا الزبيدي الذي يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي، الذين حلموا بجيل جديد من الفنانين تعلوا أصواتهم من قلب المخيم ضد الاحتلال والقمع والعنصرية، وهو ما كان.
ولفت المسرح إلى أن "هذا الترشيح فرصة لشكر كل طفل فلسطيني وقف على خشبة مسرح الحرية"، وساهم في استمرار الحلم، مقدماً هذا الإنجاز إلى أرواح فناني المسرح من الأطفال الذين سقطوا برصاص الاحتلال الإسرائيلي: محمود السعدي (17 عاماً)، وسديل نغنغية (15 عاماً)، ويامن محمود نبيل جرار (17 عاماً)، مؤكداً أن خشبة "الحرية" ستبقى منصة تستمر في ترديد صدى صوت ضحكاتهم، وآمالهم، ومخيلتهم، كما قدموه للفنانيْن جهاد نغنغية ومحمد مطاحن، اللذين قتلا على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.