شابان يتمرّدان على بيئة اجتماعية، باقتحامهما منازل فاخرة لطبقة ثرية في لندن، وبرسمهما على جدران واسعة فيها وَسْماً واحداً: "مررتُ من هنا". الوَسْم نفسه عنوان فيلمٍ (2022) للبريطاني الإيراني بابك أنوري (1983)، تعرضه المنصّة الأميركية "نتفليكس" منذ 31 أغسطس/آب 2022، بعد أيامٍ قليلة (19 أغسطس/آب 2022) من إطلاق عروضٍ تجارية له في المملكة المتحدة.
الشابان توبي نيلي (جورج ماكاي) وجميل "جاي" أغاسي (بِرْسِل أسكُت) بارعان في رسوم الغرافيتي. يمضيان الوقت في أعمالٍ عابرة، ويستهدفان طبقة اجتماعية ثرية، تعبيراً عن رفضهما إياها، ورغبة في كشفها أمام الجميع، فالمنتمون إليها يُفضّلون عيشاً بعيداً عن عيون الناس. تبرير اعتداءاتهما غير مُقنع، رغم ما فيه من إشارة إلى نقمة "فقراء" على طبقة كهذه، والنقمة مفهومة، والتعبير عن ذلك مقبول، فالرسم على الجدران فنٌّ شائع ومهمّ وثوريّ، إنْ تكن الجدران في شوارع، أو في بيوت. لكنّ الاكتفاء بهذا التبرير يبقى عادياً، رغم أنّه غير مُقنع.
المسألة غير متوقّفة عند هذا التبرير، والممارسة المنبثقة منه. لقطات سريعة تكشف ما يفعله توبي وجاي، قبل الدخول إلى عالمٍ قاسٍ وعنيفٍ ودموي، مغلّفٍ ببراءة وتسامح وتضحيات. هكتور بلايك (هيو بونوفِل)، قاضٍ مشهورٍ ومتقاعد، يُقيم في منزلٍ فخمٍ، ويعيش حياة عادية. عشية موعد اقتحام منزله، يُقرّر جاي الانسحاب من هذا العمل برمّته، لإدراكه أنّ حبيبته نسرين "ناز" رحيم (فِرادا ساثي) حامل، ويُريد الاهتمام بعائلته الجديدة. قرار كهذا يُثير غضب توبي، الذي يتسلّل إلى المنزل المستهدف، ويكتشف، صدفة، ما يُحوِّل مسار الحكاية كلّها.
اكتشاف سرّ مدفون في قبو منزل القاضي، ابن عائلة "استعمارية" (بما تعنيه مفردة "استعمارية" من مساوئ ومظالم بحقّ أناسٍ كثيرين)، يُؤدّي إلى حالات اختفاء، بدءاً بتوبي نفسه، الذي، قُبيل اختفائه، يحاول إقناع جاي بمساعدته على فضح السرّ علناً، من دون أنْ يسمح له جاي بإفشائه إليه؛ والذي، في الوقت نفسه، يصطدم بوالدته ليزي (كيلي ماكدونالد)، الطبيبة النفسية، التي تجهد في تحسين عيشها مع ابنٍ منتفض ومتوتر، وغير مُنتجٍ. تسعى الأم إلى كشف مصير توبي، وتطلب مساعدة جاي والشرطة. الابن، قبل اختفائه، يُبلِّغ الشرطة عن "السرّ"، من دون تمكّنها من كشف شيءٍ. أفرادٌ آخرون يختفون، والأسباب تتضّح موارَبة، والنتيجة: انتصار الخير على الشرّ، بعد دفع ثمن كبير (الاختفاء يتحوّل إلى قتل، والعنف المنبثق عن ذلك غير ظاهرٍ كلياً).
إنْ تُروى التفاصيل في مقالة صحافية، أم تبقى رهناً بالمُشاهدة، يتمتّع "مررتُ من هنا" بميزة التشويق البوليسي، المعطوف على تحليلٍ، نفسي واجتماعي وثقافي وحياتي، لواقع معروف. التحليل غير مُعمَّق، فالهدف الأبرز إنجازُ فيلمٍ مُشوِّق؛ والتشويق غير مترافق مع أي جديد، لكنّه مُسلّ، يُتيح تمضية وقتٍ قليل مع حكايات متداولة، وتحليلات مُكرّرة، ومواقف تكاد تكون متشابهة حتّى التطابق، رغم أنّ مدّته (110 دقائق) تبدو أطول ممّا يُقدِّم من صُور ومسارات وتفاصيل.