"مراسلون بلا حدود" تكشف عن حملة ضدها في فرنسا: فتّش عن بولوريه

12 يوليو 2024
فانسان بولوريه خلال افتتاح خط حافلات في باريس، 30 مايو 2016 (كريستوف موران/Getty)
+ الخط -

كشف تحقيق لمنظمة "مراسلون بلا حدود" (مقرها باريس)، عن حملة تضليل مَنظَّمة تطاولها منذ أشهر في فرنسا. وفي بحثها عن أصل الحملة، أعادت المنظمة رسم الخطّ الزمني لهذه الحملة، والسبب الذي أدّى إلى انطلاقها، لتخلص إلى الربط بشكل مباشر بينها وبين مؤسسة "اتصال وتواصل" التابعة لرجل الأعمال والملياردير الفرنسي فانسان بولوريه. سبب الحملة، بحسب المنظمة، هو اعتراضها على الأداء الإعلامي لقناة "سي نيوز" الإخبارية الفرنسية التي يمكلها بولوريه. وقالت المنظمة إنّ التقنيات والأساليب المستخدمة في هذه الحملة "تُذكّر بالطريقة الروسية في نشر المعلومات الخاطئة".

بعد قرار هيئة رقابة الإعلام المرئي والمسموع التحرّك ضدّ قناة "سي نيوز" (بناء على توصية من "مراسلون بلا حدود")، تلقّت المنظمة مجموعة كبيرة من رسائل الكراهية والإهانات "بعضها لم نقرأ مثلها في تاريخنا". لم تحقّق المنظمة في الأمر معتبرةً أنه مجرّد تصادف عفويّ، لكن اكتشافها صدفةً لموقع إلكتروني ينتحل صفة المنظمة جعلها تبدأ تحقيقًا في الأمر طارحة علامات استفهام حول إمكانية تعرضها لحملة تشويه وتضليل منظّمة.

"مراسلون بلا حدود"... نسخة مزوّرة

الموقع المزوّر يحمل الاسم المختصر نفسه لمراسلون بلا حدود، أي RSF، ولكنه ليس استنساخًا للاسم بالكامل بل هو اختصار لعبارة "متعصبون بلا حدود". في الوقت نفسه، حمل الموقع شعارًا وتصميمًا بصريًّا مشابهًا للموقع الرسميّ لـ"مراسلون بلا حدود"، ونشر نصًّا يحمل العنوان التالي "في سياق دفاعنا عن حرية التعبير، نسعى من الآن إلى تغيير وجه الإعلام المرئي والمسموع العمومي في فرنسا وذلك حسب وجهة نظرنا للتعدّدية". لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل كشفت المنظمة أن المؤسسة الواقفة خلف الحملة دفعت لقسم الإعلانات في "غوغل"، لجعل هذه الصفحة تظهر في أوائل نتائج البحث على محرّك غوغل.

تواصلت المنظمة مع مجموعة "فيفاندي" (مجموعة تابعة لعائلة فانسان بولوريه)، لسؤالها عن الأمر، خصوصاً أن اسمها برز كداعم للحملة، فردّت الأخيرة بجهلها لكل هذه الممارسات. لكن المنظمة حصلت على نسخة من تقرير داخلي تحت عنوان Reporting Vivendi، يحتوي على معلومات كاملة عن الحملة ضدّ "مراسلون بلا حدود"، جرى تداوله داخل الشركة التي يقع مقرها في باريس. وكشفت "مراسلون بلا حدود" أيضًا أن هذه الحملة ضدّها ليست الوحيدة حاليا، بل إن مجموعة "فيفاندي" تقف خلف أكثر من حملة شبيهة، تسعى من خلالها إلى الترويج لقناة "سي نيوز" على اعتبار أنها  "الجهة الوحيدة التي تعمل من أجل حرية التعبير".
وأعلنت المنظمة في نهاية التحقيق المنشور على صفحتها الرسمية الاحتفاظ بحقّها القانوني في المتابعة القضائية للمسألة، كما دعت إلى التواصل معها في حال الرغبة بمدّها بأي معلومات مُتعلّقة بهذه الحملة.

من هو فانسان بولوريه؟

فانسان بولوريه ملياردير فرنسي، كاثوليكي محافظ من بريتاني، غرب فرنسا، بنى إمبراطورية اقتصادية من قطاعات النقل والإعلام والإعلانات تمتد عبر أوروبا وأفريقيا. وتوسّعت إمبراطوريته الإعلامية في فرنسا لتشمل قنوات تلفزيونية، ومحطة إذاعية، ومجلات بارزة، وغيرها. وبنى بولوريه امبراطوريته الإعلامية معتمدًا شراء الصحف وإفراغ غرف تحريرها من صحافييها، ثم استغلال المصداقية المكتسبة سابقًا للترويج لأجنداته الخاصة.

وعندما استحوذ على قناة iTélé الإخبارية، تخلّص من معظم موظفيها، ما أثار إضرابًا داخلها، وحوّل اسمها إلى "سي نيوز" المعروفة بأنها منصة يمينية متطرِّفة، حتى صارت ملقّبة بـ"فوكس نيوز الفرنسية"، كما استحوذ على إذاعة "أوروبا 1" العريقة.

كل الأسلحة لمصلحة اليمين

تورد مجلة لونوفيل أوبسيرفاتور أن دعم بولوريه مرشح اليمين المتطرف إريك زمور في الانتخابات الرئاسية لعام 2022 بمثابة إحماء، إذ غرس أفكاره بلا هوادة في مؤسسات "سي نيوز" وC8 و"أوروبا 1" و"باري ماتش" و"لو جورنال دو ديمانش" التي يملكها جميعاً. وبمجرد الإعلان عن الانتخابات التشريعية المبكرة، وضع كل قوته الإعلامية في خدمة التجمع الوطني اليميني.

وفي مناسبات عدة انتقدت "سي نيوز" و"أوروبا 1" المواقف المختلفة المتخذَة ضد اليمين المتطرف، وغذّت خطاباً محافظاً، وهي الآليات المعتادة لقنوات بولوريه، التي غالباً ما تُتهم بتشويه سمعة اليسار، من خلال اتهام أبرز الوجوه اليسارية بمعاداة السامية.

إعلام بولوريه... هل من تأثير حقيقي؟

فشل اليمين الفرنسي المتطرّف بقيادة حزب التجمّع الوطني، الذي حشد له إعلام بولوريه الدعم، في تصدّر النتائج، حلّ مكانه تحالف أحزاب اليسار الفرنسي المتكتل داخل "الجبهة الشعبية الجديدة" في المرتبة الأولى. قد يرى البعض أن هذه خسارة أيضاً لإعلام اليمين المتطرف الذي لم ينجح تأثيره في إقناع الناخب بالتصويت للتيار، لكن مع ذلك حقّق اليمين المتطرّف قفزة كبيرة مقارنة بالانتخابات التشريعية السابقة، فقبل عامين كان يمثله 89 نائباً، وفي هذه الانتخابات حصل مع حلفائه على 143 مقعداً، بما في ذلك 125 مقعداً لحزب مارين لوبان (التجمّع الوطني).

وتقدّم اليمين باستخدام أدوات عدة، بينها إعلام بولوريه، المحافِظ الذي دفع اليمين نحو السلطة باستخدام أدوات غير مسبوقة. تنقل "فرانس 24" عن مؤرخ الإعلام والأستاذ في جامعة ريمس شامبانيا أردين ألكسيس ليفريه أن "توحيد اليمين الفرنسي وحمله إلى السلطة كان دائماً الهدف الرئيسي لبولوريه". وتقول "لونوفيل أوبسيرفاتور" إن "وسائل إعلامه لا تغطي الحملة، بل (تصنع) الحملة، وهو ما يخلق نمطاً غير مسبوق في فرنسا".

المساهمون