محمد رسولوف: التوتر يتصاعد بين إيران وفنانيها

12 مايو 2024
لمحمد رسولوف تاريخ طويل مع السلطات في بلده (أندرياس رنتز/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- قبل مهرجان كان الـ77، حُكم على المخرج محمد رسولوف بالسجن لثمانية أعوام والجلد بسبب انتقاداته للسلطات الإيرانية، عقب إعلان مشاركة فيلمه "بذرة التين المقدّسة" الذي يظهر فيه ثلاث نساء غير محجبات.
- فيلم "بذرة التين المقدّسة" يعكس التوترات الأسرية والاجتماعية في إيران، مع تصوير قصة قاضي يشك في تورط عائلته بخلفية احتجاجات "امرأة، حياة، حرية"، مواصلاً رسولوف إبداعه رغم العقوبات.
- تدهورت علاقة السينمائيين الإيرانيين بالسلطات، مع تزايد الأفلام المستقلة التي تتحدى القيود الحكومية، في ظل تفضيل الحكومة للأفلام التي تتجنب انتقاد الوضع الاجتماعي، مما يعكس التناقضات داخل المجتمع.

قبل أيام قليلة على بدء الدورة الـ77 (14 ـ 25 مايو/أيار 2024) لمهرجان كانّ السينمائي، أصدرت محكمة الثورة في إيران حكماً بالسجن ثمانية أعوام (ثلاثة منها مع وقف التنفيذ) والجلد ودفع غرامات ومصادرة أملاك بحقّ المخرج محمد رسولوف المعروف بانتقاداته للسلطات الإيرانية.
باباك باكنيا، محامي رسولوف، نشر خبر الحكم على موقع إكس في 8 مايو/أيار الحالي، ناقلاً الأسباب التي أعلنتها المحكمة: "التوقيع على تصريحات، وصناعة أفلام (روائية) وأفلام وثائقية، يُعتَبران مثالين على التواطؤ بقصد ارتكاب جريمة ضد أمن البلد".
بدأت الأحداث تتسارع منذ إعلان مهرجان كانّ، في 3 مايو، إضافة "بذرة التين المقدّسة"، جديد رسولوف، إلى المسابقة الرسمية للدورة الـ77: أولاً، ضغوط السلطات الإيرانية على المخرج لسحب فيلمه، المُصوَّر سرّياً، من المهرجان؛ ثمّ استدعاء ممثلين في الفيلم للتحقيق معهم رغم عدم إعلان "كانّ" عن أيّ اسم، الذين قالوا، بعد توقيفهم ساعاتٍ، إنّ السلطات طلبت منهم إقناع محمد رسولوف بعدم المشاركة في الدورة المقبلة، وإنّهم مُنعوا من السفر. ونشر الموقع الإيراني المعارض "راديو فردا"، الذي يبثّ من براغ، أنّ الإعلان الترويجي للفيلم يُظهر ثلاث نساء غير مُحجّبات.

تُهمٌ مختلفة ضد محمد رسولوف

يبدو أنّ قصة "بذرة التين المقدّسة" تدور حول حركة "امرأة، حياة، حرية"، إذ يشير الملخّص إلى أنّها (القصة) تروي حكاية قاضي تحقيق في المحكمة الثورية في طهران مُصاب بجنون العظمة، ومع اشتداد الاحتجاجات في كلّ أنحاء البلد، يَشكّ في عائلته. وبحسب تقرير نشره الموقع نفسه، يذكر الملخّص أنّ هذا المسؤول الأمني يبدأ بالاشتباه بتورّط زوجته وابنتيه في اختفاء سلاحه، ما يدعوه إلى اتّخاذ إجراءات صارمة في المنزل، تقود إلى توتّرات في البيئة الأسرية، ترتبط بالأجواء الاجتماعية الملتهبة في البلد في الفترة نفسها.
لمحمد رسولوف (شيراز، 1972) تاريخ طويل مع السلطات في بلده، إذ واجهته تُهم مختلفة: أفعال دعائية معادية للجمهورية الإسلامية، تواطؤ ضد النظام، إخلال بأمن البلد. أمّا العقوبات، فتتراوح بين منعه من السفر والعمل وأحكام بالسجن، بعضها مع وقف التنفيذ.
علاقة السينمائيين الإيرانيين مع السلطات بدأت تتدهوّر منذ اندلاع الاحتجاجات على فوز محمود أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الإيرانية عام 2009. حينها، أوقف محمد رسولوف مع جعفر بناهي نهاية عام 2010 في طهران، لتحقيقهما فيلماً وثائقياً من دون الحصول على موافقة السلطات المختصة. لكنّ الحكم على محمد رسولوف خُفِّض من ستة أعوام إلى عام واحد مع وقف التنفيذ. تابع بعدها صُنع الأفلام في بلده مُنجزاً فيلمي "وداعاً" (2011) و"المخطوطات لا تحترق" (2013). ثم بدا كأنّ المخرج تصالح مع الممنوعات، فحصل عام 2017 على تصريح بتصوير فيلمه "رجل نزيه". لكن، كما يحصل أحياناً في إيران للتحايل على الرقابة، لم يكن السيناريو متوافقاً مع الفيلم المُنجَز، ما أثار غضب السلطات، التي منعت عرضه في "مهرجان فجر" حينها، وضغطت على المخرج كي لا يعرضه في مهرجان "كانّ". رغم هذا، شارك الفيلم، الذي يفضح الفساد المستشري بين مسؤولين كبار، في قسم "نظرة ما"، في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/أيار 2017) للمهرجان، وفاز بالجائزة الأولى، بينما منع محمد رسولوف من مغادرة البلد. كما أنّه لم يتمكّن من حضور الدورة الـ70 (20 فبراير/شباط ـ 1 مارس/آذار 2020) لـ"مهرجان برلين"، علماً أنّ فيلمه "لا وجود للشيطان" شارك في مسابقتها الرسمية.
لم تقتصر العقوبات على محمد رسولوف على أنّ أفلامه غير مُصرَّح بها، فقد سُجن سبعة أشهر عام 2022، بعد مأساة انهيار مبنى في إيران، إذ نشر مخرجون إيرانيون بقيادته رسالة مفتوحة، دعت قوات الأمن إلى "وضع السلاح جانباً" في مواجهة الاستياء الوطني من "الفساد" و"عدم أهلية" المسؤولين، وهاجمت قمع المتظاهرين المدنيين بعد اندلاع التظاهرات احتجاجاً على مقتل 40 شخصاً في الانهيار الذي سبّبه الفساد. أُطلِق سراح محمد رسولوف لأسباب صحية، لكنّ حظر مغادرته البلد ظلّ سارياً، ما أدّى إلى عدم تمكّنه من المشاركة في لجنة تحكيم "نظرة ما"، في الدورة الـ75 (17 ـ 28 مايو/أيار 2022) لمهرجان "كانّ".

توتّر منذ أعوام

يُلاحَظ أنّ علاقة الفنانين الإيرانيين مع السلطات تبدو أكثر توتّراً منذ سنوات عدّة، لا سيما إذا ما قورنت بالوضع في العقدين السابقين. في لقاء مع مخرج إيراني، ردّ بتحسّر على سؤال حول وضع السينما والسينمائيين اليوم في إيران، واصفاً إياه بالخانق، بل المأساوي. حتى إنّه ترحّم على أيام أحمدي نجاد. حينها (وفيما بعد في عهد روحاني)، كانت تدخّلات المسؤولين أهدأ وأقلّ تكرّراً بكثير مما يحصل اليوم. كانت الحال أشبه بلعبة بين القط والفأر، فيها ملاحقة، لكنْ أيضاً فيها تساهل وشيء من حوار وغضّ نظر. كان لافتاً للانتباه، في ذلك الوقت، سعي المخرجين الإيرانيين، رغم هذه الخلافات والمعارك الصغيرة، إلى المشاركة في "مهرجان فجر"، أهمّ مهرجان للسينما الإيرانية تُنظّمه هيئات رسمية. كما كان ما يُحقّق من أفلامٍ "غير شرعية"، إذا جاز التعبير، أقلّ بكثير مما يحصل حالياً، مع مشاق الحصول على تصاريح التصوير، ما يُعيق حتى التفكير بها.

اليوم، يبدو الوضع كأنّ هناك نوعاً من تمرّد عميق للسينمائيين، لم يعد يكترث بالممنوعات. حتى الذين كانوا فيما مضى مقبولين من السلطات بشكل عام، مع وجود منازعات بينهم من حين إلى آخر، غدوا الآن غير مُكترثين إطلاقاً، ولو بحدّ أدنى من التعاون والقبول.
يتّضح هذا مع الممثلة فاطمة معتمد آريا، التي، وإنْ أيّدت الحركة الخضراء المعارضة زمن أحمدي نجاد، استمرّت بالعمل رغم المناوشات. اليوم، العلاقة بينها وبين النظام وصلت إلى القطيعة، وهي ممنوعة تماماً من العمل. كذلك المخرج الشاب الموهوب سعيد روستائي (33 عاماً)، الفائز بأهمّ الجوائز في دورتين سابقتين لـ"مهرجان فجر" عامي 2016 و2019، يُعاقَب بدوره بحكمٍ بالسجن ستة أشهر مع منتج فيلمه "إخوة ليلى". السبب؟ مشاركته من دون موافقة الحكومة في مهرجان "كانّ"، في دورة عام 2022، بفيلمه ذاك، الممنوع عرضه في إيران، لأنّه يُقدِّم صورة اجتماعية عن العائلة لا يرغب المسؤولون بعرضها لا في الداخل ولا في الخارج.
تطول اللائحة مع مخرجات (فيروزة خسرواني) وممثلات (ترانة عليدوستي) يواجهن أحكاماً بالسجن لمطالباتهنّ بحرية العمل، وإلغاء فرض الحجاب.

سينما ودراما
التحديثات الحية

اليوم، تعنّت الحكومة يُبدي بجلاء عدم اهتمام بالسينما، التي لم تعد تحتلّ الأولويات، كما نُظر إليها بعد الثورة وفي العقود التالية، بل باتت مصدر إزعاج. كلّما قلّ عدد الأفلام المستقلّة والفنية، كان هذا أفضل. و"كلّما ابتعدت الأفلام عن التنديد بعدم المساواة الاجتماعية، كان هذا أريح للحكومة، فلا رغبة لها في جعل السينما ناطقاً اجتماعياً فنياً في العالم كافة"، كما قال المخرج نادر تكميل همايون في حوار مع "العربي الجديد" (20 يونيو/حزيران 2022). مخرجون آخرون يُعيدون سوء الوضع السينمائي في إيران إلى ظهور طبقات منتفعة وفاسدة في النظام، تهتمّ بالإثراء فقط على حساب كلّ شيء، وتشجّع على إلهاء الجماهير بسينما ترفيهية سطحية، ولا تهتمّ بآراء الأوائل عن أهمية السينما ذات الجودة، ودورها الدعائي والفني.
في مقابل هؤلاء، هناك رجال دين ذوو مراتب عالية يعلنون اليوم انتقادهم ورفضهم ما يجري في المجتمع، كقرار المحكمة الثورية إعدام المغنّي توماج صالحي وقضية فرض الحجاب.
إنّها إيران بمستوياتها المتعدّدة والمتناقضة.

المساهمون