محمد حماقي: البوب في كولاج من الألحان

28 أكتوبر 2021
جاءت خيارات حماقي أكثر تقشفاً في تفاصيلها الموسيقية (فيسبوك)
+ الخط -

هل وصلت موسيقى البوب في العالم إلى منتهاها، ولم تعد قادرة على الابتكار؟ على الأقل، يبدو العُقم واضحاً في نسخته العربية، ولم تعد الإصدارات الحديثة قادرة على وشم حقبة بأسلوبها، لتبدو ألحانها شكلاً مفرطاً في تركيب كولاجي؛ أي أنها إعادة تدوير أو تنسيق مواكب، في مشهد ما بعد حداثي مأزوم. ذلك أيضاً ما يخبرنا به الألبوم الثامن للمغني المصري، محمد حماقي، "يا فاتني"، وإن كانت فيه بعض الاستثناءات القليلة.
افتتح حماقي ألبومه بنشر أغنية "زيها مين" على السوشيال ميديا. تتخذ الأغنية طابعاً فرائحياً، يضم جملاً إيقاعية سريعة نابضة بروح شعبية مصرية، على إيقاع الصعيدي. ومنذ اللحظة الأولى، تأتي مفعمة بالنشاط والجمل الراقصة، لكنها تحيط نفسها بكثير من الثيمات الشعبية المصرية، ليس لكونها تُدرج "ليل يا عين"، أو بسبب توظيف صوت الكيبورد المُبرمج بأصوات شعبية مألوفة طالما سمعناها في أغاني التسعينيات، بل لكونها أيضاً احتاطت بألحان مأمونة تضمن النجاح. وتلك ظاهرة أحيتها أغاني المهرجانات، خلال آخر عقد، ويعززها الملحن شافعي في تيار الأغنية المصرية الحديثة. فتحضر ثيمات البلدي والشعبي في ألحانه الأخرى لحماقي، بل إنه في عرض مستمر يحاول إحياء غنائية السبعينيات التي مثلتها ألحان بليغ حمدي، وتحديداً في لحن المذهب.


وفي الغرب، هناك توجهات نحو موسيقى السبعينيات، بالعودة إلى أنماط مثل الفانك والديسكو والسانث بوب، لكن المكساجات الحديثة تلعب دور التجديد الشكلي.
وسبق لحماقي التوجه نحو بعض تلك الأساليب، في ألبوم "عمره ما يغيب". لكنه يجعله أكثر وضوحاً في إصداره الأخير، ليستخدم الفانك ديسكو في أغنية "طالع موضة"، ذات اللحن السريع والإيقاعي، كذلك في أغنية "مش قادر أنسى"؛ إذ يوظف الفانك ديسكو، أيضاً، في بعض الخطوط.
حدد حماقي هويته في اختياره الأشكال الموسيقية، وإن كان أيضاً أي ألبوم موسيقي يشترط وجود أنماط معينة، مثل المقسوم في جانبه الشرقي، والإلكترو، وبعض الأشكال الغربية، كما هو في ألبوم "يا فاتني".
ووسط كثير من الألحان الواهنة في هذا الألبوم، هناك أغنيتان أو ثلاث، تأتي كاستثناء. بل إن أغنية "لو هاتسيب"، على مقام النهاوند، يمكن أن تكون الأكثر تميزاً بين إصدارات البوب هذا العام. تتسم الأغنية بطابع الفولك، وطريقة العرض الموسيقي الكولاجي. فتبدأ كوردات غيتار الفولك متفردة، ثم التصعيد من خلال تدعيم ديكوري متصاعد للآلات، وأيضا تطعيمها بأشكال موسيقية مختلفة.


يهيمن صوت الفولك كخلفية تصاحب الغناء، كخلفية لغناء الكوبليه، لتبدأ أصوات أخرى بمصاحبته مع غناء المذهب. وبشكل يتصاعد، نجد خلفية كمانات، مع بعض مؤثرات الهاوس ورتوش جرسية لصوت كيبورد. ويلعب صوت الغيتار الكهربائي تدخلاً محدوداً بلمحة روك. ويستمر التصعيد حتى تظهر الضربات الإيقاعية، وتزداد حدة الغيتار الكهربائي بصوت الروك، مع استمرار الكمانات، وتحديداً في الفاصل الموسيقي الختامي. ونلمح في ذلك شكلاً من الزينة الجذابة تلائم أغنية بوب حديثة. قد يكون في هذا الأسلوب إعادة هضم لأنماط مختلفة من الموسيقى العالمية، لكنها جاءت بنسق فريد في موسيقى البوب العربية؛ إذ تبدو مدروسة ومتأنقة تساهم في تصاعد ترنيمية اللحن.
من المعروف أن موسيقى البوب لا تميل إلى الابتكار خارج أنساق معروفة؛ فالملحن تامر علي، يعود في أغنية "ليلة من لياليك"، لأسلوب شرقي يكاد ينقرض في أغاني البوب العربية، بالعودة للتحولات المقامية، وإن اتخذ تحولاً طفيفاً. الأغنية على مقام الكرد، وهذا المقام يمتد في غناء الكوبليه، ليشهد تحولاً على البيات في آخر خانتين (مازورتين)، بروح شرقية تطريبية، في منحى مفاجئ شبيه بالموال، وهو تلوين يضفي بُعداً قاتماً.


في غناء المذهب، تزيد مساحة البيات الشرقي، إلى أربع خانات، وبصيغة أقل مفاجأة. فالشحن الذي يلعبه التحول المقامي بذلك الطابع، جعل الأغنية مميزة في هذا التيار الموسيقي. ولعلها فكرة سينزع لها الملحنون، وقد تتسع.
إذن، يحاول البوب العربي إنقاذ نفسه في ملاذات قديمة وآمنة، مع إعادة توظيفها بتقنيات جديدة. وهو منحى تطمئن إليه موسيقى البوب العالمية، بزحزحة الزمن نحو بعض ملامح السبعينيات ولمحات الثمانينيات. ولعل حماقي في ألبومه الثامن، يؤكد هذا الاتجاه بشكل أوسع، مع تأكيد شخصيته الغنائية، التي كانت أحد أسباب نجاحه منذ صدور أول ألبوماته في 2003، ليصبح أحد أبرز نجوم البوب العربي.
على أن خياراته هذه المرة اتخذت مظهراً أكثر تقشفاً في تفاصيلها، خصوصاً بالمضامين الشعبية، وفي بعضها محاكاة لأسلوب البوب الشرقي في الثمانينيات بالاعتماد على الكيبورد والدور الإيقاعي، لكن هناك بعض الأنواع الموسيقية المختلفة.
لكن، ماذا عن الأغنية الرئيسية، "يا فاتني"؟ إنها أيضاً محاولة لتأكيد شخصية حماقي نفسه في غناء المقسوم، وإن استهلت بمؤثرات طفيفة في المطلع سُرعان ما تنحسر. وبينما يأتي الغناء في الكوبليه مُطعماً بملامح زخرفية، تقتصر الخلفية الإيقاعية على الطبلة الشرقية، فيما يتحول المقسوم في المذهب متكئاً على فرشة درامز مُبرمج، مع حدة في النبر النغمي. بمعنى أن النسيج في بعض الألحان جاء بتفاصيل محدودة.


وكان لافتاً عدم توظيف الموسيقى الإلكترونية، باستثناء لحن باهت لعمرو مصطفى، هو "حلم العمر". وهناك أغانٍ تبنت أشكالاً موسيقية غربية، مثل أغنية "بنفارق" على الروك بالاد، وتحديداً في ضربات الغيتار، لكن هذا الاتجاه يكسره فاصل موسيقي ذو طابع شرقي، تبرز فيه آلة العود، لتنتهي بضربات الغيتار الكهربائي بالأسلوب الغربي.

يبدو أن هذا التزاوج الأسلوبي، يحضر بصورة أكبر في أغنية "نادانا" لمحمد رحيم، وهي أغنية ألحقها بألبومه بعد إعلان صدوره في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري. تبدأ الأغنية بمطلع موسيقي شرقي، ويكون الغناء حالماً بعض الشيء، ثم في قسم المذهب، يصبح شرقياً. وينتهي ذلك إلى فاصل موسيقي أكثر حدة وعنفواناً بأسلوب البوب الغربي، وتحديداً الإلكتريك، وتتجاوب معه وتريات شرقية.

نجوم وفن
التحديثات الحية

يحاول حماقي أن يتبنى خطاً يميزه عن نظرائه من مغني البوب، فقدم نفسه متتبعاً نمطاً من أنماط الموضة السائدة، وإن بطريقته الخاصة. فهل تلك محاولة لإظهار الجديد متستراً وراء المُتقادم، أم أنها ظاهرة عالمية في موسيقى البوب حول العالم. يبدو أن حقن البوتوكس من المكسجات والإلكترو ميوزيك، لم تعد قادرة على إخفاء أمارات الشيخوخة من وجه البوب عالمياً وعربياً.

المساهمون