محمد الغضبان: أفلامي عن نساءٍ يعشن أهوال المجتمع الذكوري

05 ديسمبر 2021
الغضبان: الحزن الذي مررت به في طفولتي دفعني إلى صناعة "غير معلن" (المكتب الإعلامي)
+ الخط -

محمد الغضبان مخرج عراقي أنجز أعمالاً عدّة للسينما في العراق، وكان مديراً فنياً لـ"مهرجان 3 دقائق في 3 أيام" في دورتيه الثانية والثالثة، ومديراً لمكتب بغداد في "شركة ماستر لام للدعاية والإعلان"، ومنسقاً عاماً لـ"مهرجان بغداد الجامعي الدولي للسينما والتلفزيون" (دورة عام 2019).

مؤسِّس "شركة رولة للإنتاج الفني والتسويق" درس الغضبان السينما في "كلية الفنون الجميلة" في "جامعة بغداد". فيلمه الجديد "غير مُعلن" يروي حكاية سلمى (15 عاماً)، الفتاة الريفية العراقية التي تتعرّض لاعتداء جنسي، فتقرّر الدفاع عن نفسها، وتواجه خياراً صعباً، سيغيّر حياتها إلى الأبد. وأدناه، حديث لـ"العربي الجديد" معه حول هذا الفيلم ومسائل أخرى.

ماذا عن الأسلوب الذي اعتمدته في تنفيذ "غير مُعلن"، فيلمك الجديد؟
كنتُ في معظم لحظات الفيلم شاهداً على تلك الأحداث في الريف العراقي، وتحديداً في المنطقة التي ولدتُ فيها، وترسّختْ في ذهني صُور عدّة منها. شاهدتُ ما حدث مع سلمى ووالدتها. الأسلوب المعتمد في تحقيق الفيلم يقترب من الشخصيات، ويحاول أن يجعلها تبوح بغير المُعلن، وبالتالي يجعل المُشاهد يغوص قليلاً في تلك التفاصيل، وينتشلها مع الغرق والموت. أقصد بهذا الحقائق والأحداث، ليُعلنها أمام الجميع، وتُصبح مُتداولة، بعد أنّ كانت تحدث بسرّية وتواطؤ، يتخلّلهما الخوف والعادات والتقاليد.

ما الجديد في "غير مُعلن"؟ ما الأسئلة التي يطرحها؟
الجديد يتركّز في الحقيقة في عدم التزييف. البعض يعتبره اجتزاء الحزن العميق فقط من الريف. لكنّ الحزن الذي مررتُ به في طفولتي دفعني إلى صُنعه، فأنا لا أرغب في صنع أفلام دعائية أو ترويجية، وإنْ كنّا بحاجة إليها، سيأتي غيري ويصنعها بالتأكيد. أركّز على صنع فيلمٍ يمثّلني، ويجعلني أحيا وأشعر وأنصرف إلى متاهات الصورة، ومعترك الحقّ والقدرة على البوح. "غير مُعلن" يمثّل لي سيلاً جارفاً من الحزن والرعب من الظلام في الليل، وضوء القمر هو المنقذ الوحيد. يطرح الفيلم أسئلة جوهرية مهمّة ومعقّدة، أهمها: ماذا يحدث لو اعتُدِيَ على فتاة قاصر جنسياً من والدها؟ في أيّ مكان في العالم، وليس في العراق فقط، ماذا يحدث لو أنّ المرأة تُعَامَل كآلة أو كأداة لقضاء حاجة الرجل فقط؟ أنا لستُ محامياً عن المرأة، لكنّها تعني لي الكثير كإنسان. الإنسانية تُحتّم عليّ قول الحق، والحقيقة تنكشف بمرور الزمن.

أنتَ من أوائل المخرجين الذين تناولوا العنف ضد النساء في العراق. ما الذي جعلك تلجأ إلى هذه الفكرة؟
كما أسلفتُ سابقاً، أنا لستُ محامياً عن النساء، بل أحاول إماطة اللثام عن المسكوت عنه، وعن غير المُعلَن للناس. يعتقد البعض أنّه طبيعيّ ألّا يكون للمرأة في الريف أي كينونة. هذا أعارضه كلّياً. أنا شاهدٌ على موت نساءٍ في الريف في كلّ لحظة يعشن فيها مع الرجال، وفي كلّ موقف يحاولن فيه البوح ولا يستطعن، وفي كلّ يومٍ تجلس فيه مُرتدية القماش حول كلّ جزء صغير من رأسها حتّى قدميها مروراً بعينيها، أحياناً، لأنها عورة. أليست المرأة إنساناً؟ أليس لها الحقّ في أنْ تعيش بكرامة، وأنْ يكون لها قرار؟ أردّد دائماً مبدأ خاصّاً بي في الحياة: لا يملك المرء في الدنيا إلّا كلمته وكرامته.
أستطيع القول إنّ النساء في الريف لا يمتلكن أيّ شيءٍ. كراماتهنّ منزوعة منهنّ، أحياناً كثيرة، من دون أنْ يقدرن على الرفض.

ماذا عن فريق العمل هذا، وتحديداً مدير التصوير الذي له حضور بارز في الفيلم؟
لفريق العمل التأثير نفسه في أيام التصوير، والأهمية نفسها. كخلية نحل يعملون ليلاً نهاراً في 3 أيام. مدير التصوير مهند السوداني، وهو مخرج أيضاً، له حضورٌ مميّز بحسب ما قال مُشاهدو الفيلم. براعته وتميّزه في "غير مُعلن" متأتيان من انتمائه إلى البيئة نفسها، أي إلى الريف، ولديه تصوّر كامل ومخيّلة فنية هائلة عن الريف والنساء والعنف هناك. كأنّه عينُ شاهدٍ يتفحّص ويكشف خبايا غير مُعلنة. كأنّه روح المخرج، يتحدّث نيابة عنه، ويترجم ما يتخيّله. مهند ساحر بارع ومُصوّر فنان، استخدم قدراته التعبيرية في فنّ التصوير الفوتوغرافي للطبيعة والحياة والريف، وجعلها مرئية في شريطٍ محترّك، ينبض متعةً وجمالاً وحياة، ويُعبّر عن الموت بجرأة، وعن الكتمان، ببوحٍ صُوَري ماهر.

هل شارك "غير مُعلن" في مهرجانات سينمائية معينة؟
عرضه الأول كان في "مهرجان دهوك السينمائي الدولي" الـ8، ولاقى استحسان الجمهور بشكل مميّز. هذا لمسته من تفاعله معي بعد العرض، ومن أسئلته المباشرة، ومدى انبهاره بجرأة الطرح. سيشارك الفيلم في "مهرجان مومباي الدولي للفيلم القصير" الذي سيبدأ في اليوم.

هل تفكّر في فيلم روائي طويل؟
فيلمي الروائي الطويل الأول سيُنجز كلّياً عام 2025، بحسب الخطة المرسومة منذ 3 أعوام. يتحدّث عن النساء أيضاً، كفيلمي القصير الجديد الذي سأصوّره العام المقبل. بالنسبة إليّ، هذا المحور يمثّل أهمية جوهرية. النساء هنّ من يلدن الرجال، وهذا بحدّ ذاته إعجاز هائل، لا يُمكن التعبير عنه بكلماتٍ مهما كانت بليغة. أحاول أن أكون شاعراً، لكنّ بالصورة لا بالكتابة، لأجعل الكلمات تتحرّك في حضرة النساء، والانتصار لهنّ في مجتمع يغصّ بالذكورية، ويعدم روح العدالة، حتّى وإنْ حضرت.

المساهمون