بعد نحو ثلاث سنوات من الإغلاق القسري، عاد متحف سرسق في بيروت لفتح أبوابه للجمهور مجدداً يوم الجمعة، نافضاً غبار انفجار مرفأ المدينة الذي أغرقه في الدمار وأتى على بعض مقتنياته وعمارته الفريدة.
ويقع المتحف في قلب حي الأشرفية الذي تضرر بشكل مباشر جرّاء انفجار الرابع من أغسطس/آب 2020، الذي أدى لمقتل 215 شخصاً وتدمير مناطق أخرى في العاصمة.
وتسبب الانفجار في تطاير نوافذه التي كانت تلفت الأنظار بشكل خاص عندما يُضاء ليلاً.
ومنذ ذلك الحين، خضع المتحف لعمليات ترميم وإعادة تأهيل بتمويل إيطالي وفرنسي ولبناني ومعونات من عدد من الجمعيات المعنية بحماية التراث والحفاظ عليه.
وشمل الترميم استبدال جميع النوافذ، بما في ذلك الزجاج الملون الذي يتميز به متحف سرسق، وجرى إصلاح جميع الأبواب والمصاعد والأسقف المعلقة، إضافة لترميم الكسوات التراثية الخشبية المنحوتة يدوياً.
ويشتهر المتحف بواجهته البيضاء وقناطره ونقوشه الزخرفية إضافة إلى نوافذه الملونة بالأصفر والبرتقالي ويحتوي على مجموعة كبيرة من أعمال الفن الحديث والمعاصر.
ومع ترميمه، استعاد المتحف مجموعته الفنية التي تعرضت للضرر جراء الانفجار، ومن بينها لوحة (مواساة) للفنان بول جيراجوسيان، وبورتريه لنقولا سرسق رسمه الفنان الهولندي الفرنسي كيس فان دونجن عام 1939.
ويضم المتحف أعمالاً لفنانين لبنانيين، بينهم الرسامان جورج داود قرم وجان خليفة، والنحاتة سلوى روضة شقير.
وقال القائمون على المتحف إن إعادة التأهيل كانت بتكلفة إجمالية تزيد على مليوني دولار.
وحول ذلك، قال رئيس المتحف طارق متري: "شكوكي الماضية إنه هل سنصل إلى ترميمه مثل ما كان، نعيده لوضعه قبل الانفجار، هل هذا الشيء ممكن؟ كان دايما ها السؤال يرافقني. الآن صار عندي جواب على السؤال، نعم ممكن، فهذا ولّد عندي ارتياحاً كبيرا. لكن أنا أيضاً قلق كثيراً، قلق للمستقبل، لأنه صحيح افتتحناه اليوم ونريد بدء أنشطة، لكن إمكاناتنا المالية ما عادت أبداً كالماضي".
ويعاني لبنان من أزمة مالية غير مسبوقة، وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من أعمق حالات الكساد في التاريخ الحديث.
وقد فقدت العملة المحلية أكثر من 98 في المائة من قيمتها مقابل الدولار منذ عام 2019 عندما تسببت عقود من الإنفاق المسرف والفساد في انهيار اقتصادي.
ورأى زوار تجولوا في المتحف يوم الجمعة أن إعادة افتتاحه تمثل بصيص أمل للبلد المنهك من الأزمات.
قالت الزائرة رندة فرح لوكالة رويترز: "كنت أحزن حين أمرّ جنب المتحف وأراه مغلقاً، الآن يمنحنا الأمل أن نرجع ونرى أن الثقافة تعود إلى هذا المتحف، ودائماً هذه الصرخة من لبنان لكل العالم ليقولوا إن الفن والثقافة أقوى من كل شيء، يعني ما فيه شيء بيدمرهن".
وقال مدير معهد ألماني في بيروت، ينس هانسن: "أتصور أن إعادة الافتتاح تظهر أنه على الرغم من كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يمكن لقسم من الفن على الأقل في المجتمع أن يغرس نوعاً من الأسباب للعودة إلى لبنان".
وبمناسبة إعادة افتتاحه للمرة الرابعة، قدّم متحف سرسق خمسة معارض في ساحاته. ويستكشف بعض الفن المعروض رحلة المتحف، بينما يتناول البعض الآخر تاريخ بيروت.
وتأسّس متحف سرسق عام 1961، لكن تاريخه شهد تقطعاً بسبب أوضاع لبنان الخاصة.
وبحسب متري، فقد أُغلق المتحف مرات عدة في أثناء الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990، ثم أُغلق نحو سبع سنوات بهدف التوسعة والترميم والتجديد، وأُعيد افتتاحه سنة 2015 ليُغلق مجدداً في 2020 بسبب انفجار الرابع من أغسطس ذلك العام.
واعتبرت مديرة متحف سرسق كارينا الحلو أن إعادة افتتاح المتحف بارقة أمل للقطاع الثقافي في لبنان.
وقالت لـ"رويترز": "إعادة افتتاح المتحف مقاومة، هذه أولاً. لحظة سعيدة، نحن فخورون جداً. أنا فخورة جداً بالطواقم لكنني أيضاً... ما زلت، مثل الكثيرين، غاضبة من دولتنا، وأعتقد أنه لا ينبغي لنا الاحتفال فحسب، بل يجب أن نظهر أن هذا عمل مقاومة".
(رويترز)