مارك ميتكالف: الممثل إذ يلتهمه الدور

18 نوفمبر 2020
لجأ مارك ميتكالف للكحول في محاولة لتغيير شكله وملامحه (Getty)
+ الخط -

صدر أخيراً، عن مجلة "ذا نيويوركر"، الوثائقي القصير "شخصية"، لفيرا برنر سونغ. نشاهد في العمل الممثل مارك ميتكالف، يتحدث عن تلك الأدوار التي التصقت به من دون أن يرغب فيها، خصوصاً أن هوليوود اعتادت على اختياره لذات الأدوار، الرجل الأبيض، "الذي يعمل في السلطة، وإن كان العالم مخرّباً فعليه أن يكون حازماً لإعادته إلى توازنه" هكذا يروي ميتكالف في بداية الفيلم. ويخبرنا عن خصائصه كأبيض، وصوته الذي يمثل السلطة، إلى جانب طوله وملامحه. نراه يتمرن ويجهز نفسه، ليلعب ذات الدور، الضابط الغاضب، الوحش المفترس، السياسي الحقود، لكنها أدوار أنذال، والأهم أنهم مخطئون، أي لا يمثلون الصواب.

كان ميتكالف مسجوناً في هذه الشخصيات، عاجزاً عن تجاوزها، وكأنه أسير جسده الذي التصقت به الشخصيّة، التي يتم تشغيله دائماً للعبها. والمثير للاهتمام أن حالة ميتكالف ليست استثنائيّة، في كل أشكال الاستعراض هناك النمط، الشخصيّة التي يلعبها أحدهم لأنها تطابق متخيّلاً ما فتتحول إلى جزء منه، والنهاية دوماً شكّ في الذات، بل وبجدوى العمل نفسه، إن لم يكن الممثل قادراً عبر الشخصية على اكتشاف ذاته، وهذا ما نراه لدى أشهر ممثلي هوليوود كمارلين مونرو/"الشقراء الحمقاء" وتشارلي تشابلن/"الأحمق". وأيضا لدى ممثلي العالم العربي كعادل إمام ودريد لحّام.

على اختلاف المستوى في الأداء وتنوع الأنماط، هذه الشخصيات النمطية التي نحبّ أو نكره، والتي نحفظ بعض حركاتها، على مستوى التمثيل هي خطرة على مستويين كما نشاهد في الفيلم، الأول يرتبط بالمهنة نفسها، والتصاق ذات الدور بالممثل، بل ويتحول إلى مصدر رزقه الوحيد. والمستوى الثاني يرتبط بالممثل نفسه، كفنان، فالنمط يقتل الفرد، ويمنعه من التعبير عن ذاته، أو اختبار أشكال أخرى من الشخصيات.

سينما ودراما
التحديثات الحية

الالتزام بالنمط لا يقتصر على الصفات الخلقية كحالة ميتكالف. فمع تقدم الزمن، أحياناً على الممثل أن يجهد نفسه، وأحياناً يؤذيها ليخرج من النمط، كحالة ميتكالف الذي لجأ إلى الكحول في محاولة لتغيير شكله وملامحه، بل ويقال إن انتحار مارلين مونرو لم يكن إلا نتيجة لهذه المشكلة، لم تستطع الخروج من الشخصية النمطية التي رفض الناس أن يتقبلوها إلا بها، خصوصاً أنها تسللت خارج مساحة الاستعراض إلى الحياة اليومية، ونقصد هنا النمط، لا مونرو ذاتها.

هذه الإشارات المرتبطة بالتصديق والعجز أمام الذات سببها نظرة الآخرين، فالنمط سهل التقبل وعلامات التعريف عليه واضحة، وحين يلتصق نمط ما بممثل، يعجز المشاهد عن تصديق غيره، سواء كان دوراً آخر يلعبه الممثل أو ذاته نفسها، فالمشاهدون لا يرون سوى النمط، لا الفرد ذاته، ومع تعاظم شهرة الفرد وازدياد المشاهدة، تتلاشى المساحات التي يمكن له بها أن يلعب نفسه أو ما يشعر به، سواء على الشاشة أو في الحياة اليوميّة، متروكاً كشكل ثابت لا يجب أن يتغير في أعين الناس وألا ينسوه أو يرفضوا تصديقه.

هناك أيضاً سؤال يرتبط بحرفة التمثيل، بصورة أدق؛ الأداء الواقعي الذي يتورط فيه الممثل عاطفياً وجسدياً، فالقدرة على الاستبدال من الذات لصناعة الشخصية ثم التخلي عنها، تتضخم في حالة النمط، تفاصيل الصوت والنبرة والحركة وغيرها، يتخلى فيها الممثل عما يخصه ليضع ما يخص الشخصية مكانها، لكن النمط يعيق عملية التخلي عن الشخصية. ومع مرور الزمن والتكرار، تحل الشخصية مكان الأنا، بحركاتها وإيماءاتها وأصواتها، ليجد الممثل نفسه يحدق في المرآة ليجد النمط، لا ذاته، وحين يحدق في الآخرين، ينعكس النمط أيضاً، مفقداً إياه كفرد قدرته على التمايز عن الدور الذي يؤديه.

المساهمون