لويس سي.كاي... ضحكات تنقصها البهجة

13 مايو 2023
بقيت أعماله الأفضل حبيسة موقعه بعيدة عن الخشبة (روي روتشلين/Getty)
+ الخط -

 

تتعاقب العروض الكوميدية التي يصدرها الكوميديان الأميركي، لويس سي.كاي. عبر موقعه الخاص. وعلى الرغم من احتشاد الصالات في عروضه ونفاد بطاقات عرضه في مسرح حديقة ماديسون سكوير خلال ساعات، فإن الاهتمام يحاذيه، لينصب تركيز النقاشات على ثقافة الإلغاء وتجاذباتها وما حققته حركة #MeToo (أنا أيضاً) المناهضة للتحرش والاعتداء الجنسي، بعد ستّة أعوامٍ منذ كُسر الصمت.

أقرّ سي.كاي. باتهامات الاعتداء الجنسيّ التي طاولته عام 2017. ومنذ ذلك الحين، تمكّن من الحضور تدريجياً بفقراتٍ قصيرةٍ حيّةٍ ضمن عروض "ستاند أب"، بعد إلغاء كافّة عقوده مع الشبكات الكبرى، وصولاً لإصدار ثلاثة عروضٍ مستقلّةٍ؛ "بصدق" (2020) و"آسف" (2021)، إلى جانب العرض الجديد في مسرح دولبي الذي يتضمن مواده الجديدة من جولته الأخيرة.

حقق لويس سي.كاي. أسلوبًا ثوريًّا في التواصل مع جمهوره خلال سنوات نجاحه. وعدا عن حضور أعماله وعروضه عبر شبكات "إتش بي أو" و"نتفليكس" و"إف إكس"، مهّد الطريق لإنتاجاته المستقلّة عبر موقعه الشخصي على الإنترنت، بدلاً من خدمات البثّ والشبكات الضخمة المتنافسة على نيل حقوق محتواه. بلغت تلك الحقبة ذروتها مع مسلسله المُمسرح Horace and Pete عام 2016 من بطولته بالتشارك مع ستيف بوشيمي وإيدي فالكاو وآلان ألدا. شكّل المسلسل حينها خروجًا عن كافة تقليديّات الإنتاج الترفيهي، واحتلّ مكانة رفيعةً لقيمته الفنيّة وكادره التمثيلي وتجريبيّته الرائدة المنافية للتسويق.

ومع أنّ ذلك الزمن انقضى، احتفظ سي.كاي. بشريحةٍ واسعةٍ من الجمهور تَتبعه وتتلقى نشرته الأسبوعية، ويُصدر لها تحديثاتٍ عن مسيرته كمؤدٍ كوميديّ. تمنحه هذه الفئة تسامحًا غير موجودٍ على نطاقٍ أوسع، فتحوّل الموقع من وجهةٍ لمحتوىً أكثر إبداعيةً وتحرّرًا من القوالب، إلى طائفةٍ من مريدي الكوميديان تتلقى منتجاته وأخبار عروضه، ما يُمعن في حالة الانغلاق التي تَصم عمله.

يتنقل سي.كاي. في جولاته بين عدة مدن، ويجد صالاتٍ ممتلئةً، لكن أعماله تبقى حبيسة موقعه، ومتجاهَلةً من التيّار السائد، إلّا من أصواتٍ معاديةٍ لعودته الضئيلة، يكون نصيبه منها ذكره في تعدادٍ لمحاولات العودة ممن تعرّضوا للإلغاء. ويمكن القول إن اللون الواحد المهيمن على جمهوه جعل خطابه يفتقر إلى الإقناع أو التحدّي الفكري، ويقتصر على دفع الحديث إلى هوامش حرّية التعبير، لينتهي به المطاف على ضفة الاستسهال في تقديم حججه وفقراته، واحتجاب "فنّه" عن النقاش العام. 

ليس بالإمكان إنكار موهبة سي.كاي. والتقاطاته الممّيزة حول الموت وتنشئة الأطفال وعالم العلاقات الجنسية. ولطالما شكّلت هذه المحاور ثيماتٍ أساسيةً في عروضه وأعماله. ولا يخرج عرضه الأخير في مسرح دولبي عن هذه الإحاطات، إلّا أنه هش، ويُقدّم ليخدم المتحدث في سبيل إيحاءات متعلقة بقضية إلغائه، ويلتف على فقرات سابقة -تكاد تكون كلاسيكية- ذات زخمٍ أعلى كفقرتيه عن الإجهاض والعبودية.

نجوم وفن
التحديثات الحية

يركّز العرض الجديد على حالة ما بعد القصاص بحق المذنبين والمجرمين، وفكرة الثقة الأخلاقية، كمن يثق أنه لن يتملّك عبيدًا لو عاش في زمن الحرب الأهلية الأميركية. يستمر سي.كاي. بطرح الفرضيات المشابهة دونما ربطٍ بحادثته، ويترك بين ردود الجمهور وضحكاتهم فخاخًا ليوقعهم في مصيدة المعضلات الأخلاقية؛ تقنيةٌ تلازم الرجل منذ بداياته، لكنها هذه المرّة تفتقد إلى الأصالة، وترتهن لمواضيع محظورة، مثل البيدوفيليا والمرضى العقليين.

عُرف سي.كاي. بابتدائه عروضه بفقرة الختام، ليرفع سقف التحدي الذاتيّ، ويتملّك الجمهور بافتتاحيةٍ صادمة. وسبق أن رفع مستوى الفُحش واشتبك مع الذائقة العامّة ضمن مسيرته في ترديد دعاباتٍ عن أحداث 11 سبتمبر وضحايا إطلاق النار العشوائيّ والمصابين بالحساسية. لكن ذلك كان يتم عبر فقراتٍ صلبة وبناءٍ يراعي التضاربات المنطقية في سبيل إيصال النكتة بكامل ألقها، وإن كان وقعها عسيرًا.

لا يبذل سي.كاي. في عروضه الأخيرة الجهد نفسه، ويحتفظ بسطوره الأكثر غرائبية لاستجلاب للضحكات وتوريط الجمهور معه. خارج الثقافة الشعبية "لا توجد كلمات سيئة"، كما يُذكر ضمن إحدى فقرات العرض الكوميدي، ويسهب في شرح أن هناك أشخاصاً قد يكون وقع الكلمات عليهم سيئًا، بخلاف هذه الدعابة لا يوجد ضمن العرض ما يوحي بزمنه أو أي مدلولٍ عن الثقافة العامة الرائجة؛ إذ يستدرك ضمن هذه الفقرة إعادة ظهور مقطعٍ له وللكوميديان كريس روك، يتلفظ بها بكلمة محظورة عن السود، خلال برنامجٍ كوميديّ لقناة إتش بي أو عام 2011.

حفلت مسيرة سي.كاي. خلال ثلاثة عقود من النشاط الفنّي بانخفاضاتٍ ونجاحاتٍ متباينة، لكنها بإجماعٍ كبير قد وصلت دركها الأسفل، وتتموضع تجربته حالياً في حيّزٍ يشقّ الحكم فيها على دعاباته وما يقدمه ككوميديا صرفة، من دون النظر إليها عبر عدستين مركبتين من ثقافة الإلغاء وحقيقة إساءته لعاملاتٍ في الوسط الفنّي. ذاع صيته بناءً على ذاتٍ فنيّة تجّسد الفاشل ذا الاكتئاب الحادّ والأفكار المظلمة، وقد تحوّل اليوم لنموذجٍ يريد إخبار الجميع ملء فمه أنه بخير، رغم فوضاه ونهاية مسيرته ورحيل والدته.

تضمحل ذات الكوميديان الفنيّة في إطلالاته الأخيرة، ويقتصر على كونه شخصًا بملامح المذنبين يفيض بجانب ظلاميٍّ مجانيّ، دونما اكتراثٍ من قاعدته الجماهيرية، لتتبع تحوّلاته وتقنيّات إضحاكه الصدئة، فهو هو قبل "الصحوة" وبعدها. هكذا لا ينال لويس سي.كاي. وتبدلّاته الذهنية والحياتية المرتبة الأولى، حتى لدى جمهوره المخلص.

دلالات
المساهمون