"لوموند": محاكمة إسرائيل بالإبادة في محكمة العدل الدولية رفضٌ لذاكرة يهيمن عليها الهولوكوست
إذا كان الإعلام الفرنسي المرئي قد تجنّب، بشكل عام، تغطيةَ الدعوى التي تقدّمت بها أخيراً جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، فإن بعضاً من المحلّلين، لا سيّما من العاملين في الصحافة المكتوبة، لم يغفلوا عن تداعيات هذه الخطوة التي تحمل طابعاً تاريخياً على أكثر من مستوى.
ونشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، في عددها الصادر الخميس، مقالاً لمحلّلتها سيلفي كوفمان، رأت فيه أن اتهام جنوب أفريقيا لإسرائيل بالإبادة الجماعية "ليس مجرّد إجراء قضائي".
وقالت كوفمان، وهي من كتاب افتتاحيات الصحيفة الفرنسية، إن ما قامت به جنوب أفريقيا يمثّل "دعوى يتقدّم بها جنوب المعمورة ضدّ المعايير الغربية القائمة على إحساس بالتفوّق الأخلاقي"، مضيفةً أن "هذه الدعوى تشكيكٌ بالنظام الدولي الذي رسّخته الولايات المتّحدة، أكثر حلفاء إسرائيل قوّة. وهي أيضاً تعبيرٌ عن رفضٍ لذاكرة يهيمن عليها الهولوكوست التي تتعارض معها، بشكل صريح، ذاكرةُ الاستعمار".
وأضافت: "أيّاً يكن الحُكم النهائي الذي ستتوصل إليه المحكمة حول الطبيعة الإبادية للهجوم الإسرائيلي على غّزة، وأيّاً كان قرارها بخصوص طلب جنوب أفريقيا تعليقَ العمليات العسكرية الإسرائيلية، فإن مجرّد تقديم هذا الاتهام ضد إسرائيل، من قِبَل بلد يمثّل رمزاً للقمع الاستعماري والفصل العنصري، يُعَدّ في السياق الحالي أمراً تاريخياً".
ورأت كوفمان هذه الخطوة بوصفها علامةً على "صعود الجنوب العالمي كقوّة سياسية وعلى خسارة العالم الغربي هيمنته"، وهو ما يتأكّد، بحسبها، من خلال مثالَيْن آخرين: وقوف ناميبيا إلى جانب جنوب أفريقيا وفلسطين ضدّ إسرائيل وحليفتها ألمانيا التي ارتكبت في البلد الأفريقي أولى مجازر القرن العشرين، ورفض جلّ بلدان الجنوب للقراءة الغربية للحرب الروسية على أوكرانيا.
وأشارت كوفمان، في ختام مقالتها، إلى أنّ لهذه "المعركة القضائية" رهاناً أساسياً، تلخّصه بالسؤال التالي: "هل سيكون من الممكن التوفيق بين الذاكرات الجريحة، والاعتراف بكلّ منها على حدة، من دون ترتيبها بشكل هرميّ، ومن دون جعلها متعارضةً بعضها مع بعض؟". سؤال لا تزال الإجابة عنه بعيدة المنال، باعتبار أن هذه الذاكرات ما زالت "في مرحلة المواجهة"، بحسب تعبيرها.