لوكندة فرح... ذاكرة تستضيف زوار رام الله

31 مارس 2023
مديرة اللوكندة ياسمين عبد الهادي (العربي الجديد)
+ الخط -

 

في الثاني والعشرين من سبتمبر /أيلول الماضي، رأت "لوكندة فرح" النور في رام الله، في خطوة تجاوزت ترميم المباني والجدران، لجهة ترميم الذاكرة، وهي مبادرة تحمل طابعاً ثقافياً واقتصادياً. المبنى الذي يتألف من ثلاثة طوابق، بني عام 1904، وهو مُشيّد من الحجر الوردي، ويعلو طابقه الثالث سقف من القرميد الأحمر، ويتكون من ثماني غرف مع مرافقها، إضافة إلى مطعم وقاعة استقبال، فيما يبلغ إجمالي مساحته 500 متر مربع.

استقبل مُلاكه السابقون، من عائلة فرح، بعض العائلات الفلسطينية التي لجأت إليه في ظل ظروف قاسية، وتحديداً ما بعد نكبة عام 1948، فسكنت فيه عائلات عدّة من اللاجئين الفلسطينيين ممن اختاروا رام الله مسكناً لهم بعد تهجيرهم من منازلهم وأراضيهم.

اختيار المبنى، ثمّ توقيع اتفاقية لإشغاله بعد ترميمه مع ورثته عام 2015، من قبل بلدية رام الله، ليكون مكاناً لاستضافة زوّار المدينة وضيوفها، كان بمثابة شهادة اعتزاز بالمباني التاريخية في رام الله، ومن بنوها، وإشغالها لسنوات عدّة، والحفاظ على التراث المعماري الذي يشكل جزءاً من الهوية الفلسطينية، وجزءاً من روايتها.

لوكندة فرح (بلدية رام الله/ فيسبوك)
(بلدية رام الله/ فيسبوك)

ما إن تدخل المبنى المكوّن من غرف فندقية اليوم، نصفها منفردة ونصفها مزدوجة بما فيها "العليّة" المزودة بشرفة صغيرة تطلّ على ما يقابلها في البلدة القديمة لمدينة رام الله، حتى تجد ساحته الخارجية التي باتت مطعماً صيفياً، ومساحة لبعض الفعاليات الفنيّة أو المناسبات الاجتماعية، وبالتحديد على الجهة اليمنى، "البئر"، المصممة على شكل إجاصة وتعود إلى عام 1840، أي قبل بناء المبنى، وكانت توفر المياه لسكان الحيّ، إذ كانت تحفظ مياه الأمطار التي كانت تهطل على أسطحة البيوت المجاورة عبر قنوات فخارية، وفي ما بعد قنوات إسمنتية.

وإلى جانب البئر توجد النملية، حيث كان أصحاب المبنى يحتفظون بالطعام، إذ قررت إدارة "لوكندة فرح" الحفاظ على مهمتها الوظيفية، وأطلقت عليها اسم "أمينة"، وهو اسم السيدة الفلسطينية التي تزودها بالمأكولات البيتيّة، كالزيتون وزيته، والمربى بأنواعه المختلفة، والخضروات والفواكه الطازجة والمجففة، وغيرها، فإدارة الفندق تشجع المنتجات المحلية وتقاطع بشكل كامل المنتجات الإسرائيلية.

لوكندة فرح (بلدية رام الله/ فيسبوك)
(بلدية رام الله/ فيسبوك)

وفي الداخل هناك غرفة الاستقبال، والصالون الذي جهّز لاستخدامات متعددة، منها أن يكون قاعة صغيرة لما يقارب العشرين شخصاً في فعالية ما، أو قاعة مطعم إضافية، مزودة بمكتبة في جوف أحد الجدران، وذات زخرفة خاصة لسقف الغرفة التي بنيت كغالبية غرف المبنى بلا أعمدة، كما كان سائداً في مباني البلدات القديمة للمدن الفلسطينية.

ويقع المطبخ في الطابق نفسه، أما البار فتفصله عن الطابق الأرضي بضع درجات فقط. وكون اللوكندة اتخذت من ثيمة أزهار فلسطين عنواناً بارزاً لها، نجد أسماء الغرف في الطابق الثاني من قبيل: "الليلك"، و"الياسمين"، و"الكاميليا"، و"السوسن"، و"النرجس"، و"الناردين"، و"الزينيا"، أما القاعة الصغيرة ما بين الغرف فأخذت اسم "ليوان جميلة الأسدية"، وهي زهرة بريّة تنبت في فلسطين كما في مناطق مختلفة من العالم، وأخذت اسمها من الكلمة اللاتينية (Callistemon)، وتعني "جمال السداة" في إشارة إلى شكل زهرتها التي تشتهر بمقاومتها للجفاف، في حين أن شعار الفندق اتخذ من رسم على أحد حجارة المنزل الخارجية، يشير أيضاً إلى مُلّاكه وعام بنائه.

لوكندة فرح (بلدية رام الله/ فيسبوك)
(بلدية رام الله/ فيسبوك)

وثمة إقبال مُتواصل على حجوزات الفندق، وخاصة من زوّار المدينة من الأجانب، الذين يستمتعون بالمكان: حجارته، وخزائنه الحائطية، وأبوابه التي تحافظ على نفسها منذ قرابة مائة وعشرين عاماً، وكذلك على المطاعم بتعددها، والإفطار الريفي الفلسطيني من زيت وزعتر، وأجبان، وزيتون، ومخللات، وباذنجان مقلي، وغير ذلك.

كما تنظم إدارة "لوكندة فرح" بعض الفعاليات الفنية، خاصة الموسيقية، ويقدّمها فنّانون فلسطينيون، إضافة إلى فعالية خاصة، انتظمت أخيراً تحت عنوان "العصرونية"، التي سادت في المدن الفلسطينية ما قبل النكبة، بعد تحويل ما يعرف في بريطانيا بـ"وقت الشاي" (Tea Time) إلى عادة مدينية في يافا، وحيفا، والقدس، وغيرها.

واللافت أن فريقاً شاباً، وخاصة من النساء، يدير اللوكندة، فمديرتها الشابة ياسمين عبد الهادي (26 عاماً)، كانت تقدمّت لعطاء إدارة المبنى بعد ترميمه رفقة والدها ناصر عبد الهادي الذي يدير فنادق ومطاعم في مدن فلسطينية عدّة، ووقع الاختيار عليهم، ومن هنا بدأت إدارتها لـ"لوكندة فرح" التي ترى أن أكثر ما يميّزها، سواء عند المكوث فيها لأيام، أو الجلوس فيها لفترة من الوقت، هو استحضار التاريخ، فـ"حياتنا اليوميّة في مدينة رام الله"، أو حيوات الزوّار الأجانب في مدنهم، "لا يمكن أن توفر ما نراه في هذا المبنى، أو نعايشه"، أمّا نائبتها ومديرة الفعاليات في اللوكندة، بتول قاضي، فهي عشرينيّة أيضاً.

المساهمون