لوحات فنانين عراقيين رواد تغري المزورين

29 يونيو 2023
تُعد "الموت للاستعمار" إحدى جواهر الفن العراقي (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

في المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد، تُعتبر "الموت للاستعمار" إحدى اللوحات النادرة الأصلية لشاكر حسن آل سعيد، والتي نجت من الفوضى حين اندلعت في العراق عام 2003 مع الغزو الأميركي، وكانت فرصة لتعزيز أعمال التقليد والاتجار غير الشرعي بلوحات منهوبة.

وتُعدّ "الموت للاستعمار"، بدرجاتها الغامقة التي تتراوح بين الرمادي والأزرق، إحدى جواهر الفن العراقي. وتشهد هذه اللوحة التي أُنجِزت في سبعينيات القرن الفائت على هذه العقود المزدهرة للفنون التشكيلية العراقية، عندما كان شاكر حسن آل سعيد مع جواد سليم، ومجموعة أخرى من الفنانين، يعملون ضمن مجموعة بغداد للفن الحديث.

تشرح مديرة مؤسسة رؤيا للفن المعاصر، الكاتبة تمارا الجلبي، أن "لأعمال شاكر حسن آل سعيد أهمية كبيرة بالنسبة إلى الفن العراقي الحديث، وحتى بالنسبة إلى الفن الشرق أوسطي".

في غرف المزاد، تصل أحياناً لوحات الرسام الذي توفي عام 2004 إلى مائة ألف دولار.

ويقول نجله محمود شاكر حسن آل سعيد، لوكالة فرانس برس، إنّ عائلته، حرصاً منها على حماية تراثه، أدرجت "أرشيفاته كاملة" - نحو 3 آلاف عمل إجمالاً - وهي في صدد إصدار كتالوغ جديد، بالتعاون مع مؤسسة حسنين الإبراهيمي في عمان. وهذه الخطوة تُعتبر "حصانة" ضد محاولات التزييف، على قوله.

ويضيف الطبيب الذي يعيش في العاصمة بغداد: "بعد 2003 حصلت فوضى في العراق على الصعد كافة، وطاولت الفنون طبعاً. وهذه الظروف أتاحت الفرصة لبعض النفوس الضعيفة لمحاولة تقليد الأعمال والإفادة منها مادياً".

يؤكد الطبيب الخمسيني الذي يتواصل بشكل دائم مع دور المزادات والمعارض الدولية قائلاً: "لقد أوقفنا الكثير من محاولات بيع أعمال مزورة".

ويضيف: "رصدنا في الآونة الأخيرة عملاً مزوراً في إحدى قاعات العرض في بغداد". وتواصل محمود شاكر حسن آل سعيد مع المعرض عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لمطالبته بإزالة اللوحة، لكن من دون جدوى.

أولى ضحايا الاتجار والتزوير هي أعمال رواد الفن العراقي الحديث التي تعود إلى أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته وستينياته، والتي اختفت مع سرقة آلاف القطع من المتاحف والمؤسسات العراقية عام 2003.

في مجال فني صغير حيث يعرف الجميع بعضهم بعضاً، تبدو أفضل طريقة لتجنب عمليات الاحتيال هي التواصل مع عائلة الفنانين أو أصدقائهم، أو حتى الفنان نفسه إذا كان لا يزال على قيد الحياة، أو مع الأكاديميين والخبراء، للتأكد من أصالة اللوحات.

يقول جامع التحف في الإمارات العربية المتحدة، سلطان سعود القاسمي، إن "الفن العراقي الحديث أو المعاصر من أهم مصادر الإنتاج الفني في الوطن العربي".

وتُعتبر الأعمال العراقية من حيث ثمنها من ضمن "المرتبات العشر للأعمال الأعلى ثمناً في المنطقة"، بحسب ما يؤكده القاسمي، وهو مؤسس مؤسسة بارجيل للفنون، وهي متحف في الشارقة يعرض فيه أكثر من ألف عمل من العالم العربي.

ويقول لـ"فرانس برس" إن "بعض الأعمال الفنية العراقية تباع اليوم بمئات الآلاف من الدولارات"، مستشهداً بأعمال كاظم حيدر أو ضياء العزاوي. ويضيف: "المقلدون يلاحظون نتائج المزادات. إنه حافز لصنع أعمال مزورة بحرفية أعلى وأعلى".

يظهر لغز المصادقة والمطابقة في أنحاء المنطقة كافة: في مصر ولبنان وسورية مثلاً، وفي بعض الأحيان من الصعب التأكد مائة في المائة من أصالة لوحة. لكن "المشكلة حادة بشكل خاص في العراق، بسبب حزمة التحديات، ومنها هجرة الفنانين والحروب المتتالية"، وفق ما يقوله سلطان سعود القاسمي.

لا يزال المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد، التابع لوزارة الثقافة، يبحث اليوم عن أعمال مسروقة، بحسب المدير السابق للمؤسسة، علي الدليمي، المتقاعد حديثاً.

ويقول الدليمي: "قبل عام 2003، كان لدينا 8 آلاف عمل، واليوم يوجد نحو ألفَين". ويضيف أن المتحف اقتنى بعد الغزو الأميركي "أعمالاً فنية جديدة وأعمالاً مفقودة أعيدت" إليه.

إلّا أن التحديات ما زالت كثيرة، فقبل 2003 "لم تكن لدينا تقنية في حفظ الأعمال. كان التوثيق كتابياً فقط، ولذلك لا نستطيع حالياً المطالبة بتلك الأعمال، لأنها غير موثقة لدينا".

عام 2017، وبسبب "خلاف حول الملكية"، أعلنت دار كريستيز أنها ستسحب من المزاد في دبي لوحة رسمها فائق حسن عام 1968. على الرغم من ذلك، لم تعاد اللوحة إلى العراق. حينها أوضحت نائبة عراقية أن هذه اللوحة ربما عرضت في نادٍ تابع لوزارة الدفاع قبل تهريبها إلى الخارج.

ويطالب الناقد الفني، صلاح عباس، المؤسسة الحكومية الثقافية باللجوء إلى قضاة وقانونيين لسنّ القوانين لمواجهة ظاهرة تقليد الأعمال الفنية وتزويرها. ويقول: "في العراق، نعيش صخب السياسة. لا توجد أي حماية للعمل الفني، مما حجب سنّ قانون يحدّ من ظاهرة التزوير".

في معرضه الأنيق، يأسف حيدر هاشم ناجي لـ"كثرة تزوير الأعمال الفنية"، ملاحظاً أن هذه المسألة "أثرت سلباً على سمعة الفن العراقي". ويؤكد أن "المزورين يختارون أحياناً عملاً قديماً ويرسمون عليه، أي أن الخشبة مثلاً تكون قديمة، والقماش أيضاً".

وعُرضت على حيدر هاشم ناجي أخيراً لوحة منسوبة إلى الرسام المشهور المتأثر بالتكعيب حافظ الدروبي. كان صاحبها يأمل بيعها بـ40 ألف دولار، لكنّ صاحب المعرض رفض بكل ديبلوماسية، من دون الإفصاح عن الأسباب الحقيقية.

ويروي "بصراحة" أنه كان "عملاً مزوراً بتقنية عالية"، مشيراً إلى أنه اعتذر عن عدم تسلّمه.

(فرانس برس)

المساهمون