تعود الأضواء والزينة إلى سماء مدينة الضباب كل عام، مع اقتراب موعد عيد الميلاد. يستمرّ هذا التقليد لعروض أضواء عيد الميلاد منذ عشرات السنين في لندن، من دون أن يمنعه أو يوقفه أي حدث. مع ذلك، أثيرت الشكوك حول هذه العروض خلال جائحة كورونا التي شلّت العالم تقريباً خلال العامين الأخيرين، بيد أنّ المدينة مضت قدماً في تعليق زينتها.
ويتميّز شارعا أوكسفورد وريجنت مع كل عيد ميلاد بأجمل زينة. كما يُعدّان الأكثر شهرة في البلاد خلال هذه المناسبة. تتدلى من سماء هذين الشارعين منذ سنين أجمل الأضواء المزخرفة وبأشكال مختلفة، منها كرات الثلج الذهبية والفضية المتلألئة، ليتحوّلا خلال فترة عيد الميلاد إلى ما يشبه أرض العجائب الشتوية، ويجذبا إليهما آلاف الأشخاص للتسوّق والاستمتاع بزينة الميلاد، والتقاط الصور التذكارية من جميع أنحاء البلاد والعالم.
تأتي حلّة هذا العام في شارع أوكسفورد بزينة جديدة، تتكون بشكل أساسي من نجوم متوهّجة تتدلى من السماء، وتأسر الناظر بجمالها الساحر في الليل. لا تقتصر الأضواء فقط على إضفاء لمسة جمال على المنطقة، بل تحمل معاني أبعد من ذلك. فعام 2020، سلط شارع أكسفورد الضوء على الأشخاص الذين أظهروا شجاعة في نكران الذات والعمل الجاد لسكان لندن، كما حافظوا على استمرار المدينة طوال فترة الوباء. وكان الجمهور يرشّح بطله كل أسبوع ويضيء اسم الفائز في سماء الشارع لمدة سبعة أيام. أمّا هذا العام، فتمّ استخدام أكثر من مليون مصباح LED (أضواء تستخدم طاقة أقل بكثير من المصابيح التقليدية)، في عرض مرصع بالنجوم. ويُقال إن هذه المصابيح قابلة لإعادة التدوير بنسبة مائة في المائة، كما يُخطط لاستخدامها في العروض المستقبلية في شارع أكسفورد.
ربّما تكون فكرة استخدام مصابيح LED جاءت من تكاليف تشغيلها المرتفعة للغاية. فطوال الأوقات العصيبة، وعلى مدى عقود من الزمن، أثيرت نقاشات حول استخدام الأموال المستثمرة في المصابيح. وقيل إنّه يمكن استخدامها بشكل أفضل في مجالات أخرى. ففي الواقع، عام 1957، كان هناك محاولات لاستبدال أضواء عيد الميلاد ببالونات مملوءة بالغاز في شارع ريجنت، وعلى الرغم من إعجاب البعض بها، لكنّها بدت غريبة في ذلك الوقت. وتُنار أضواء عيد الميلاد يومياً من الساعة الثانية بعد الظهر، ويمكننا مشاهدتها مجّاناً.
وجرت العادة أن يقوم أحد المشاهير المعروفين بإضاءة مصابيح الميلاد في لندن كل عام، ما يجذب حشوداً كبيرة من الناس لمشاهدة الحدث. فخلال السنوات القليلة الماضية، شارك في إضاءتها مشاهير مثل كايلي مينوغ، وفرقة "سبايس غيرلز"، وهيلين ميرين، وكريغ ديفيد.
تقليدياً، يشير هذا الحدث إلى "البداية" الرسمية لعيد الميلاد والتسوق والاحتفالات. لا تقتصر عروض عيد الميلاد الخلّابة على شارعي أوكسفورد وريجنت، بل توجد في لندن العديد من الأماكن الرائعة، بما في ذلك حدائق "كيو غاردنز"، التي تزداد إثارة كل عام، وتتوهّج بما يزيد عن مليون مصباح متلألئ. كذلك، تتميّز كوفنت غاردن، وسط لندن، بشجرة عيد الميلاد الضخمة التي يبلغ ارتفاعها 60 قدماً ومزينة بـ 30 ألف ضوء، بالإضافة إلى 115 ألف مصباح مثير للإعجاب منتشرة في جميع أنحاء مبنى السوق الرئيسي.
ولا يمكننا أن نغفل شارع كارنابي هذا العام، الذي أضاء أكثر من 600 فراشة نيون متلألئة تتنوّع بين ثلاثية وثنائية الأبعاد. لو عدنا في الزمن إلى الوراء، ندرك أنّ تقليد عرض أضواء الميلاد بدأ عام 1954، في شارع ريجنت، عندما نظّمت وموّلت المتاجر والشركات الكبرى التي كانت موجودة في الشارع آنذاك، عرضاً كبيراً لأضواء عيد الميلاد. وكان الهدف الرئيس من وراء ذلك هو تبديل وجه لندن ما بعد الحرب من مدينة مملة وكئيبة إلى مدينة تتلألأ بالألوان والفرح.
ومع مرور الزمن، امتدت هذه العروض لأضواء الميلاد في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي إلى العديد من الشوارع، حيث بدأ عرض شارع أكسفورد لعيد الميلاد لأول مرة عام 1959، ثمّ ما لبثت أن أصبحت الأضواء جزءًا رئيسيًا من تقويم احتفالات لندن. لكن في أوائل السبعينيات، عانت المجالس البلدية وتجار التجزئة من ضغوط اقتصادية، وكانت الأموال شحيحة، ما أثّر إلى حد كبير على تقليص ميزانية العروض الرسمية الكبيرة لأضواء عيد الميلاد لبضع سنوات، ولم تعد مرّة أخرى سوى خلال أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.