لماذا لم تخترع الصين ChatGPT؟

24 فبراير 2023
كبحت الرقابة الصينية طموح المستثمرين والمبتكرين (Getty)
+ الخط -

قبل سنوات، كانت الصين تتجه لتهديد هيمنة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ مال ميزان القوى لصالحها، بفضل بياناتها الوفيرة ورجال الأعمال الطموحين والعلماء الماهرين والسياسات الداعمة. وقد تصدّرت عالمياً في عدد إيداعات براءات الاختراع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. اليوم تغيّر الكثير، وتحديداً بعدما ساعدت "مايكروسوفت" الأميركية شركة أوبن إيه آي OpenAI في إطلاق برنامج المحادثة الآلي "تشات جي بي تي" ChatGPT الذي يهيمن على كل النقاشات في قطاع الذكاء الاصطناعي أخيراً.

ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن أصحاب المشاريع التكنولوجية في الصين يشعرون بالصدمة والإحباط، بعدما اتضح لهم أن بلادهم متخلفة كثيراً في مجال الذكاء الاصطناعي والابتكار التكنولوجي. ووفقاً للصحيفة نفسها، فإن أسئلة عدة تطرح هناك: لماذا لم يخترع ChatGPT في الصين؟ وما مدى الفجوة في القطاع بين الصين والولايات المتحدة فعلياً؟ هل أدت الرقابة والتوترات الجيوسياسية والسيطرة الحكومية المتزايدة على القطاع الخاص إلى جعل الصين أقل احتضاناً للابتكار؟

نقلت "نيويورك تايمز"، الأسبوع الماضي، عن كبير الباحثين في مركز ستانفورد للاقتصاد والمؤسسات الصينية، شو شينغانغ، قوله إن "تطوير أي منتج تكنولوجي مهم لا ينفصل عن النظام والبيئة" حوله.

كانت الصين قبل عقد من الزمن رائدة في مجال الأعمال والابتكار في مجال التكنولوجيا، لكنها دولة مختلفة تماماً الآن، وفقاً للصحيفة. ابتداءً من التسعينيات، كانت جميع شركات التكنولوجيا الكبرى في البلاد خاصة وممولة بأموال أجنبية. تركت الحكومة الصناعة في الغالب لأنها لم تفهم الإنترنت ولم تتوقع حجم نفوذها. بحلول منتصف العقد الماضي، أصبحت الصين قوة تقنية يمكنها منافسة الولايات المتحدة. كانت شركات الإنترنت الكبرى لديها تساوي في الأسواق تقريباً قيمة نظيراتها الأميركية. وعملت خدمات صينية عدة، مثل تطبيق المراسلة ويتشات وخدمة الدفع علي باي، بشكل أفضل من منافساتها الأميركية. وتدفق رأس المال الاستثماري من أنحاء العالم كافة. ولفترة من الوقت، كانت الدولة تدشن شركات قوية وناشئة عدة تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، مثل وادي السيليكون الأميركي.

تغيّر كل ذلك خلال السنوات القليلة الماضية، حين طاردت بكين بعض أكبر شركات التكنولوجيا في البلاد ورجال الأعمال البارزين في المجال. وكان هدفها هو ضمان عدم قدرة أي مؤسسة أو فرد على ممارسة تأثير على المجتمع الصيني يضاهي الحزب الشيوعي. واستحوذت الحكومة على حصص أقلية ومقاعد في مجالس إدارة بعض تلك الشركات. هكذا، خففت بكين طموح العاملين في هذه الصناعة، وقللت من قدرتها الابتكارية.

لكن المسؤولية لا تقع على عاتق بكين وحدها، فحتى قبل أن تبدأ بفرض قيود أكبر على قادة التكنولوجيا، كان هؤلاء يركزون على جني الأموال ويُحجمون عن الإنفاق على المشاريع البحثية التي لم يكن من المحتمل أن تدرّ عائدات على المدى القصير. وبعد هجوم الحكومة في السنوات القليلة الماضية، أصبحوا أقل ميلاً للاستثمار في المشاريع طويلة الأجل.

إلا أن الحكومة الصينية كانت العائق الأكبر أمام الذكاء الاصطناعي، وربما كان هوسها بالرقابة أكبر الأسباب. يعد توفر مجموعة واسعة من البيانات ضرورياً لتطوير تقنية مثل ChatGPT، لكن الحصول عليها أصعب في بيئة الإنترنت الخاضعة للرقابة. وعاقبت بكين الشركات، في بعض الأحيان بشدة، لفرض بروتوكولات الرقابة. طُرد "ديولينغو" مثلاً، وهو تطبيق غير مثير للجدل لتعليم الأشخاص لغات جديدة، من متاجر التطبيقات الصينية لمدة عام تقريباً حتى "يعزز تنظيم المحتوى الخاص به"، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الصينية.

وفي هذا السياق، قال رائد الأعمال والمبرمج السابق، هاو بيكيانغ، لـ"نيويورك تايمز": "تستطيع الشركات الكبرى تحمّل الوضع، لكن الشركات الصغيرة لا تستطيع. إذا لم تتمكن الشركات الصغيرة من القيام بذلك، فإن الابتكار يختنق".

"أوبن إيه آي" التي طورت ChatGPT بمساعدة "مايكروسوفت" التي مولتها، لم تجعل برنامج المحادثة الآلي متاحاً في الصين. يحتاج مستخدمو البر الرئيسي الصيني إلى استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) للوصول إليه.

ومن المتوقع أن تستمر فجوة الذكاء الاصطناعي مع الولايات المتحدة في الاتساع، وفقاً للخبراء والمستثمرين الصينيين. يذكر أنه عام 2021 تصدّرت الولايات المتحدة العالم في إجمالي الاستثمار الخاص بالذكاء الاصطناعي وفي عدد تقنيات الذكاء الاصطناعي الممولة حديثاً.

في الوقت نفسه، أعلنت شركة التجارة الإلكترونية الصينية العملاقة، علي بابا، أنها تعمل على تصميم أداة محادثة خاصة بها قائمة على الذكاء الاصطناعي، سعياً إلى منافسة نظام ChatGPT الأميركي الذي حظي بإقبال شعبي واسع. كما أكدت "بايدو"، إحدى أكبر شركات البحث والذكاء الاصطناعي في الصين، أنها تخطط لإدراج روبوت المحادثة إرني في خدمات البحث الخاصة بها، بدءاً من مطلع مارس/آذار المقبل. وفي مذكرة داخلية، قال الرئيس التنفيذي لـ"بايدو"، روبين لي، إنّ "إرني" سيُدرج في خدمة البحث وفي نظام تشغيل السيارة الذكية ومكبر الصوت الذكي.

المساهمون