لبنان إذ يلاحق نكتة

01 سبتمبر 2023
قال الكوميدي نور حجار إن تهديدات بالقتل وصلته وأسرته (فيسبوك)
+ الخط -

وحّد مقدّم العروض الكوميدية، نور حجار، المرجعيات الطائفية اللبنانية حوله، وهو بذلك حقق إنجازاً يُحسب له، وإن كان قد سبقه إليه أفراد مجتمع الميم والنساء والصحافيون المستقلون والناشطون الحقوقيون وشعراء وفنانون ومهمشون في هذه البلاد وعاصمتها التي وصفت يوماً بأنها "خيمتنا الأخيرة" و"نجمتنا الأخيرة".

من حيث لا ندري، أعيد فجأة انتشار مقطع فيديو من عرض كوميدي قدمه نور حجار قبل خمس سنوات. في المقطع المتداول، يلقي حجار النكات حول أحداث يفترض أنها جرت في جنازة عائلية، ويقول إن والدته طلبت من الشيخ الذي حضر العزاء أن "يسمعهم أحلى ما في القرآن". هذا الحوار، إن كان متخيلاً أو حقيقياً، نسمعه يومياً في المقاهي وبين الأصدقاء، بغض النظر عن مدى التزامهم الديني. والنكتة ليست على الشيخ ولا القرآن، بل على البساطة التي يقارب فيها الناس، مثل والدة حجّار، الدين.

طبعاً، كان لدار الفتوى السنية في لبنان رأي آخر، فهي التي تحركت هذه المرة، وقدمت إخباراً بحق حجار، تتهمه فيه بـ"جرائم تمس الدين الإسلامي وبإثارة النعرات الطائفية والاستهزاء بالقرآن الكريم والنيل من الوحدة الوطنية، وتعكير الصفاء بين عناصر الأمة". طبعاً، لا نريد للنكتة أن "تعكر الصفاء بين عناصر الأمة" التي لا تتردد في أن تحمل السلاح في وجوه بعضها البعض في أي لحظة، وأقربها إلى الذاكرة في منطقة الطيونة عام 2021 أو في الكحالة في أغسطس/ آب الحالي.

أخلي سبيل حجار الثلاثاء على خلفية هذه النكتة، وذلك بعد أيام قليلة على استجوابه بشأن عرض كوميدي آخر قدّمه. حجار يواجه حالياً قضيتين قضائيتين منفصلتين، إحداهما أمام المحكمة العسكرية، على خلفية نكتة ألقاها حول جنود يعملون لمصلحة تطبيق شهير لخدمة توصيل الطعام. فقد تقلّصت قيمة رواتب عناصر قوات الأمن اللبنانية، ولا سيما الجيش منذ بدأت الأزمة الاقتصادية، ويمارس بعضهم وظائف إضافية لتلبية الاحتياجات المعيشية.

ومساء الأربعاء، أصدر حجار بيان اعتذار عن "الضرر" الذي يمكن أن يكون قد تسبب به مقطع الفيديو الذي أعيد تداوله، مؤكداً أنه لم يكن يقصد "بتاتاً وإطلاقاً التعرض للمصحف الشريف بأي إساءة". تحدث حجار، في البيان نفسه، عن اضطراره وأفراد أسرته لمغادرة منزلهم، بعد تلقيهم "تهديدات بالقتل". وطلب من المراجع الإسلامية العليا في لبنان أن "تذكّر المؤمنين من المسلمين بالتسامح... واحدة من القيم الجوهرية لدين الإسلام".

هذا البيان ليس اعتذاراً بقدر ما هو إعلان استسلام، وباتت البيانات من هذا النوع مألوفة أكثر فأكثر في لبنان، بعد موت الانتفاضة الشعبية التي هزّت البلاد عام 2019. "رؤوس النظام" في هذه البلاد، إن كانوا شخصيات دينية أو سياسية أو عسكرية، لا يريدون فقط أن يعلموا حجار وغيره درساً. يريدون تحجيمهم وتأديبهم. فحجار، كما غيره، من شباب انتفاضة 17 أكتوبر قبل أن يكون كوميدياً. هو وغيره من شباب تجرأوا على المطالبة بإسقاط النظام في هذا البلد. خرجوا إلى الشوارع. ملأوا الساحات. أسقطوا حكومة حتى. ثم ها هم اليوم يعتذرون عن نكتة هنا، وعن حفلة هناك، وعن منشور على "فيسبوك"... هل هناك خيبة أكبر من هذه؟ كانوا يطالبون بإسقاط النظام، وها هم يطالبون بالسماح لهم بقول نكتة، ولو رديئة، من دون أن يتعرضوا للتوقيف والترهيب والتهديد.

هذه البلاد تلاحق النكات إذاً، بينما تشهد انهياراً اقتصادياً أغرق غالبية شعبها في الفقر. إذ يعتبر البنك الدولي أن الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان هي إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم في التاريخ الحديث، وتحمّل الهيئة السلطات مسؤولية ذلك بإساءتها استخدام ودائع الشعب في العقود الثلاثة الأخيرة. هذه البلاد تلاحق النكات، بعد 3 سنوات على انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 220 شخصا وتسبب بسقوط 6500 جريح، وما زال ملف التحقيق بشأن الحادث طي النسيان.

دلالات
المساهمون