مجدّداً، يطرح مسلسل "لا حكم عليه" قضية تجارة الأعضاء، بعد أن تناولها الثنائي رامي كوسا والليث حجو في عام 2019 من خلال مسلسل "مسافة أمان". محاولة متماسكة جداً في الأداء، تُحسب لقصي خولي (يلعب دور نسيم)، الذي غاب عن الدراما الرمضانية السنة الماضية، بسبب تأجيل مسلسل "2020" (إخراج فيليب أسمر)، إلى الموسم المقبل. كما تطل علينا فاليري أبي شقرا (زمن)؛ وقد أظهرت من الحلقات الأولى تقدمًا ملحوظًا في طريقة الأداء، بدور المحامية التي تسعى إلى كشف جريمة قتل والدها بحادث دهس متعمد، في اليوم نفسه الذي قُتلت والدة نسيم مع زوجها الطبيب جمال (أسعد رشدان)، في ظروف غامضة.
تعيد المحامية، زمن، فتح ملف إعادة محاكمة نسيم، لتُعلن براءته بعد خمس سنوات من سجنه، ويطلق سراحه، ويدخل مع المحامية رحلة أخرى في تتبّع مافيا تجارة الأعضاء، ما يسفر عن غضب ابنيّ الطبيب، الواضح أنهما شركاء في الجريمة.
يتخطى المخرج فيليب أسمر عالم الصورة هذه المرة، وينتفض على أعماله في الدراما المحلية اللبنانية، فيخالف ما يفرضه المحلي في تعاطيه مع الدراما العربية المشتركة: إيقاع متسارع للأحداث، شريط من الرواية يبدأ سريعًا من الحلقة الأولى مستغلاً الاحداث المفروضة من داخل سجن قضى فيه نسيم محكوميته إلى الفضاء الخارجي الغارق في تفاصيل القضية وتشعباتها.
يظهر التطور واضحًا في "لا حكم عليه"، وذلك عبر اجتراح مفاهيم أخرى يحاول قصي خولي التغلب عليها بأداء رفيع، بعيدًا عن ممثل "الشكل". وجهه لا يخلو من نتواءات واضحة أصيب بها داخل السجن، وكذلك حال فاليري أبي شقرا التي تثبت في هذا الدور أنها ممثلة تتفوق على لقبها (ملكة جمال لبنان 2015)، وكأنها أمام بداية جديدة مرسومة بعناية بعد مشاركتها سابقًا بطولة باردة في "ما فيي" (2019) للمخرجة رشا شربتجي، وكذلك مرورها العابر في "الهيبة"، من إخراج سامر البرقاوي 2018.
رؤية المسلسل تتناسب مع فلسفة السخرية الدرامية أمام قضية تجارة الأعضاء، التي تشغل العالم بقالب قصة حب بين نسيم وخطيبته نور، التي تتركه بعد اتهامه بقتل أمه وزوجها، ثم اندفاعه نحو المحامية "زمن". كل هذا يحدث بعيداً عن المتداول في بعض المسلسلات، التي تحفل بها المنصّات هذه الفترة، وتحشد لنوع من التشويق المستعار غير المبرر، أمام فرضيات وتيارات أصبحت مكشوفة بالنسبة للمشاهد العادي، والتحول الدائم في غزو بعض القضايا وطرحها بطريقة درامية تلتزم بشروط الحرفية للفريق العامل، وتستمهل المشاهد العادي قليلا هذه المرة، لا بل تحمله إلى نهاية من المرجح أنها سعيدة.
محاولة جيدة في "لا حكم عليه" لهدم القديم وتجاوزه، والتلفت إلى ما يعانيه المجتمع اليوم من قضايا.
قصص وقضايا اجتماعية شائكة تصبح نصوصا درامية، لكن هذه المرة ينضج التعبير المباشر، وينقذ عالم المنصّات من التكرار الأحادي لسلسلة من القضايا المستنسخة عن الغرب، في أشكال وسيناريوهات مملة.