لائحة قمعية جديدة تترصد صحافيي مصر

19 يونيو 2021
يعاني الصحافيون في مصر من أوضاع معيشية صعبة (محمود خالد/ فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر صحافية مطلعة في مصر أن "الهيئة الوطنية للصحافة" انتهت من إعداد لائحة إدارية موحدة للعاملين في المؤسسات الصحافية القومية (الحكومية)، تستهدف التضييق على عملهم عبر منع الكتابة عن الشأن العام أو ما يخص جهة العمل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفصل الصحافي نهائياً في حال تقييم أدائه المهني بـ"الضعيف" من قبل رئيس التحرير لمدة 24 شهراً متصلة.

وأضافت المصادر، متحدثة لـ"العربي الجديد"، أن اللائحة المنتظرة تخص العاملين في المؤسسات الصحافية الثماني التابعة للدولة كلهم، وتتضمن لائحة موحدة للأجور في تلك المؤسسات، فضلاً عن معايير لمد الخدمة بعد سن التقاعد والتعيين فيها باشتراطات محددة وفي أضيق الحدود. وأكدت أن "الهيئة الوطنية للصحافة" انفردت بإعداد اللائحة من دون العودة إلى نقابة الصحافيين المصريين أو اللجان النقابية التابعة للمؤسسات الصحافية لأخذ الرأي.

وأوضحت المصادر أن مواد اللائحة الجديدة تستهدف في المقام الأول تسهيل إجراءات حصر أصول المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة من عقارات وأراض وطرح بعضها للبيع بحجة سداد مديونياتها لدى الغير، في ضوء خطة "التطوير" التي وضعتها الهيئة، وذلك بعد عرض اللائحة الإدارية أولاً على الجمعيات العمومية في المؤسسات الصحافية قبل إقرارها بصورة نهائية.

في يونيو/ حزيران عام 2020، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً بتعيين رئيس "الهيئة الوطنية للصحافة" السابق كرم جبر في منصب رئيس "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، بدلاً من الكاتب الصحافي الراحل مكرم محمد أحمد، واستمرار حسين زين في منصب رئيس "الهيئة الوطنية للإعلام"، وتعيين مهندس كهرباء بعيد عن مجال الصحافة، وهو عبد الصادق الشوربجي، رئيساً لـ"الهيئة الوطنية للصحافة"، في رسالة مقصودة لتهميش دور الصحافيين.

لم تُستشر نقابة الصحافيين المصريين في إعداد اللائحة

تشكلت الجهات الإعلامية الثلاث المذكورة بموجب ثلاثة قوانين متصلة لـ"تنظيم الصحافة والإعلام"، جاءت مخالفة في كثير من نصوصها لما تم التوافق عليه بين لجنة التشريعات الصحافية والحكومة طوال شهور من التفاوض، بل ونالت من فلسفة مشروع اللجنة القائمة على تحرير الصحافة والإعلام من هيمنة السلطة التنفيذية، عبر ما أضيف من تعديلات لإحكام سيطرة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء على الإعلام، بتعديل آلية تشكيل المجالس الثلاثة.

وتجاهلت قوانين الإعلام مقترحات نقابة الصحافيين الخاصة بتشكيل الجمعيات العمومية للمؤسسات الصحافية القومية، إذ منحت رئيس "الهيئة الوطنية للصحافة" رئاسة جميع الجمعيات العمومية للمؤسسات الصحافية، إلى جانب التوسع في تعيين أعضاء هذه الجمعيات من خارج المؤسسات. كما فتحت الباب للمحاباة عبر منح رئيس الهيئة الحق في مد السن للصحافيين بقرار منه.

يعاني الصحافيون في مصر من أوضاع معيشية صعبة، في ظل حالة التضييق التي تفرضها السلطات على عملهم، وغلق وحجب الكثير من المواقع الإلكترونية والإخبارية التي يعملون فيها، علاوة على تسريح المئات منهم من العاملين في الصحف والقنوات الفضائية المملوكة لأجهزة تابعة للدولة، ما دفع البعض إلى ترك المجال برمته والعمل في مهن أخرى.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وحسب معلومات لـ"العربي الجديد"، يعمل حالياً ما لا يقل عن 50 صحافياً نقابياً سائقين لدى شركة "أوبر" لخدمات نقل الركاب، ومثلهم وأكثر في أعمال الأمن والحراسة في مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، نتيجة انقطاع مصدر دخلهم من الصحافة وعدم توفر فرص عمل بديلة لهم للإنفاق على التزامات أسرهم.

وتأتي اللائحة الإدارية الجديدة في إطار مخطط حكومي للسيطرة على الصحافة وتضييق الخناق على عمل الصحافيين في مصر، إذ تستكمل ما بدأه "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" بإصدار "لائحة الجزاءات" التي تضمنت نصوصاً عقابية لتجريم ممارسة مهنة الإعلام والصحافة، إلا في الحدود المسموح بها أمنياً وحكومياً.

تضمنت اللائحة الصادرة عام 2019 عقوبات مغلظة بحق الصحافيين، منها "معاقبة الوسيلة الإعلامية بغرامة لا تقل عن 25 ألف جنيه ولا تزيد على 250 ألف جنيه، وإحالة الصحافي أو الإعلامي للتحقيق بمعرفة النقابة، وإلزام الوسيلة بتقديم اعتذار أو وقف بث البرامج المخالفة، أو حجب الموقع الإلكتروني لفترة مؤقتة، أو منع الصحافي أو الإعلامي من الكتابة، في حال استخدامه ألفاظاً قد تشكل جريمة سب أو قذف".

ما لا يقل عن 50 صحافياً نقابياً يعملون سائقين لدى شركة "أوبر" لخدمات نقل الركاب، ومثلهم وأكثر في أعمال الأمن والحراسة في مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة

نصت كذلك على "معاقبة كل من نشر، أو بث شائعات، أو أخباراً مجهولة المصدر، أو نقل عن مصادر إعلامية أخرى، أو استخدم منصات التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات من دون التحقق من صحتها من مصادرها الأصلية بغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 25 ألف جنيه. ووقف بث البرامج، أو الباب، أو الصفحة، أو الموقع الإلكتروني لفترة مؤقتة، وتوقيع غرامة لا تقل عن 250 ألف جنيه، ولا تزيد على 500 ألف جنيه".

دان صحافيون، في مذكرة تقدموا بها سابقاً إلى نقابتهم، نصوص "لائحة الجزاءات"، بوصفها "اغتصبت سلطة القضاء بمنحها (المجلس الأعلى للإعلام) سلطة فرض عقوبات جنائية على المؤسسات الصحافية، علاوة على تعديها على سلطة النقابات في معاقبة أعضائها تأديبياً، وتجاهلها النصوص القانونية والدستورية التي تعطي للنقابات المهنية من دون غيرها سلطة معاقبة أعضائها تأديبياً". وقننت تلك اللائحة قوائم المنع من الظهور في وسائل الإعلام بدواع فضفاضة كاعتبارات الأمن القومي، أو حتى في حال اتهام الصحافي أو الإعلامي بارتكاب مخالفة قد تشكل جريمة جنائية، وهو ما يمثل فرض عقوبة من دون إدانة ولمجرد الاتهام، إلى جانب مخالفة نصوصها لأحكام الدستور الذي منح المواطنين الحق في التعبير عن آرائهم بحرية من دون قيود.

المساهمون