لفترةٍ طويلة من الزمن، بدا أنّ قوانين النشر قادرةً على حماية حقوق الشركات ودور النشر والكتاب، إذ كانت فعالة إلى حدّ كبير في منع عمليات التزوير والانتحال الصريحة. لكنّ هذه القوانين تواجه تحديات كبيرة اليوم، لمواكبة التطوّر الرقمي، تحديداً مع أنظمة الذكاء الاصطناعي.
وصارت هذه الأنظمة، وأشهرها ChatGPT، قادرةً على إنتاج كتب كاملة، تستند بشكل كلّي أو جزئي إلى السطو على نصوصٍ أخرى، والاستفادة من لغتها وأساليبها، في ظلّ افتقار قوانين النشر الحالية إلى قواعد تحظر عمليات "النهب الرقمي".
ونشر المحامي المختص ببراءات الاختراع جيري بريدج بتلر ورقة تحليلية في مجلة ذا بوكسلر البريطانية، يبحث من خلالها كيفية مواجهة هذه الظاهرة الجديدة.
تؤدّي حقوق النشر في العادة دوراً شديد الوضوح: منح أو منع الحق في عمل نسخ من الأعمال الأصلية، سواء كانت كتباً أو أغاني أو أفلاماً أو أعمالاً فنية بصرية.
ويحتاج الراغبون في نسخ أو إعادة إنتاج الأعمال الأصلية، إمّا لشراء حقوق الطبع والنشر، أو الحصول على ترخيص وإذن من المؤلف. تبدو حقوق الطبع والنشر سهلة الفهم على هذا المستوى، لكنّها تتعقّد عند نسخ جزء فقط من العمل، إذ يصير تحديد وقوع انتهاك من عدمه مرتبطاً بإثبات أنّ النسح طاول "جزءاً جوهرياً" من العمل.
وبحسب بريدج بتلر، يترك هذا المصطلح المراوغ مسألة انتهاك حقوق الطبع والنشر مفتوحةً أمام التأويل.
على مرّ السنين، تعاملت المحاكم مع قضايا كثرةٍ من هذا النوع، تبيّن خلالها أنّ ما هو "جوهري" أمرٌ نوعيٌّ أكثر ممّا هو كمّي. على سبيل المثال، قد يكون نسخ جملٍ أو فقرات محدودة من رواية ما كافياً ليعدّ ذلك انتهاكاً لحقوق النشر.
من جهة أخرى، لا تحمي حقوق النشر الأفكار الموجودة في النص، أو أمراً مثل أسلوب الكتابة. وبالتالي، فإن حقّ المؤلف لا يتعلق بالنسخ بل بعمل نسخة، وهو تمييز مهمٌ بحسب المحامي. بمعنى آخر، يجب أن يكون هناك جزء فعلي من العمل الأصلي في العمل المنسوخ ليعدّ ذلك انتهاكاً.
لذلك، فالنص الذي أنشأه الذكاء الاصطناعي قد يعتبر منتهكاً لحقوق الطبع والنشر إذا نسخ بالفعل نصاً أصلياً أو جزءاً جوهرياً منه.
إذا كان من الممكن إثبات نسخ كل العمل أو جزء جوهري منه، فهذا يعدّ بمثابة "رصاصة ضد السرقة"، بحسب بريدج بتلر. إذا كان للنص الجديد نسخة إلكترونية أصلية في مكان ما، فهذا انتهاك. إذا كان على الذكاء الاصطناعي إنشاء وتخزين نسخة رقمية من العمل الأصلي بالترتيب للاعتماد عليها لإنشاء نص، فهذا انتهاك. يبقى الأهم هو إمكانية إثبات ذلك.
كذلك، يمكن إثبات الانتهاك في حال استخدم الذكاء الاصطناعي جزءاً كبيراً من العمل الأصلي كما هو. هناك أمثلة على نسخ الذكاء الاصطناعي أجزاءً كاملةً من الصور ووضعها في صورة مجمعة مع أخرى.
في الوقت الحالي، يتعين علينا الانتظار حتى تصل قضية حقوق طبع ونشر كبيرة للذكاء الاصطناعي إلى المحكمة، ورؤية كيفية نظر القضاء فيها. وهو ما قد يتطلب ناشراً شجاعاً جداً ليكون أوّل من ينشر كتاباً بواسطة الذكاء الاصطناعي، ما قد يؤدي إلى رد قانوني غاضب، بحسب بريدج بتلر.