بعد أقل من 24 ساعة على صدور تقرير لجنة الامتيازات في مجلس العموم، والذي أدان الزعيم الأسبق لحزب المحافظين، بوريس جونسون، بتهمة تضليل البرلمان عمداً، وبالكذب والتحايل والازدراء، أعلنت صحيفة "ذا دايلي ميل" البريطانية عن تعاقدها مع جونسون، "أحد أكثر الكتّاب ذكاء وأصالة"، ليكتب مقالاً أسبوعياً ينشر كل يوم سبت، سيقرأه الملايين في بريطانيا وفي جميع أنحاء العالم، "بغض النظر عما إذا كنتم موالين له أو معارضين"، بحسب الصحيفة.
ونشرت "ذا دايلي ميل" على موقعها مقطعاً مصوراً لا يستطيع القارئ الوصول إليه إلّا بعد أن يشاهد "عمداً" دقيقة من الإعلانات، يظهر فيها جونسون "أنيقاً" على غير العادة وشعره أقل فوضوية من المعتاد، ليقول للمتابعين إنّ مقاله الأسبوعي سيعكس "رؤيتي للعالم" كما هي بحذافيرها. مما يحيل للأذهان على الفور مسألة "التضليل" التي اتّهم بها قبل أكثر من عام، وظلّت تلاحقه حتى البارحة مع نشر اللجنة نتائج تحقيقاتها التي أثبتت بما لا جدل فيه إقدامه على "التضليل المتعمّد" في أكثر من مناسبة، إن كان أمام البرلمان أو خلال جلسات التحقيق التي خاضتها معه.
كما أن المساحة التي ستمنحها الصحيفة لجونسون من خلال العقد الجديد، ليست مجرّد صفحة ورقية، بل منبراً ومنصة تتيح له البوح بـ"رؤيته" الخاصة للعالم وفرض روايته مجدداً، بعد أيام قليلة فقط من تنحّيه عن مجلس العموم، ومن اتّهامه اللجنة (وهي أهم مؤسسة دستورية في البرلمان) بـ"التحيّز" ضده و"التآمر" عليه.
ويأتي العقد بعد يوم واحد من بيان كتبته مجموعة العائلات الثكلى من ضحايا الوباء، مطالبة مجلس العموم بـ"منع" جونسون من العودة مجدداً، ولا بأي شكل من الأشكال للعمل السياسي وبإقصائه عن أي منصب عام.
ويبدو طريفاً أن يستخدم جونسون "رؤيته للعالم" عبارة دعائية وترويجية لعاموده الصحافي في الوقت الذي يطالبه به الكثيرون من حزبه ومن المعارضين لحزبه، من الموالين له ومن خصومه، أن "يصمت" وأن يبتعد وأن "يعفيهم" من رؤيته الخاصة تلك.
وكانت صحيفة "ذا نيويورك تايمز" قد نشرت البارحة مقالاً تقارب فيه بين شخصية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وبين جونسون، لا سيما أنّهما يواجهان الاتّهامات ذاتها تقريباً.
ونقلت عن الخبير السياسي فرانك لونتز، الذي يعرف جونسون شخصياً عندما كانا طالبين في جامعة أوكسفورد، دهشته من الخطاب الذي يستخدمه الزعيم المحافظ مخاطباً "خصومه" من الحزب ومن لجنة الامتيازات. واعتبر لونتز أن ترامب أثّر في لغة قادة العالم، مع أن "جونسون نشر كتباً أكثر بكثير ممّا قرأه ترامب".
وسيتلقّى جونسون، بحسب "آي تي في"، مليون جنيه إسترليني، مقابل عمله الجديد في الصحيفة "الصفراء"، التي تستقي جلّ أخبارها من الشائعات و"القيل والقال".
وسينشر المقال الأوّل يوم غد السبت، وسط الكثير من الضجيج والانتقادات حول منح الزعيم الأسبق دوراً جديداً، بعد أقل من يوم على إدانته بـ"التضليل" و"الاحتيال".
يُذكر أن جونسون يخرق القانون مجدداً عبر تعاقده مع الصحيفة، إذ لم يتواصل بعد مع اللجنة الاستشارية المعنية بالتعيينات التجارية (أكوبا) حول دوره الجديد والمبلغ الذي سيتلقّاه.
وينبغي بحسب القوانين أن يتقدّم كل وزير سابق أو موظّف خدمة مدنية أو غيره من موظّفي "التاج" بطلبات لـ"أكوبا" قبل أن يقبلوا بوظائف جديدة في حال لم يمرّ على استقالتهم عامان. وقالت متحدثة باسم "أكوبا" إنّ اللجنة كتبت لجونسون تطالبه بتوضيحات، لأنّه لم يتواصل معها بشأن عمله الجديد، مضيفةً أنّ "أعمدة الصحف لا تعتبر إشكالية كبيرة"، لكنّه يبقى برغم ذلك مطالباً بالمشورة والتواصل.
وليس هذا هو الخرق الأول الذي يرتكبه جونسون مع "أكوبا"، إذ سبق له أن أدين بـ"تجاهل القواعد"، عندما لم يتواصل معها بعد أسابيع من تنحّيه كوزير خارجية، وتوقيعه عقد عمل مع صحيفة ذا تليغراف يتضمن مقالاً أسبوعياً مقابل مبلغ 275 ألف جنيه إسترليني.
ومن أجل مزيد من الإفادة من التاريخ، تجدر الإشارة إلى أنّ تجربة جونسون مع "ذا تليغراف" لم تكن مجرد بوح بـ"رؤيتي للعالم"، بل إنّه استثمر ذلك المنبر وطوّعه منصة لمعارضة خطط رئيسة الوزراء حينها تيريزا ماي، ولكسب الأصوات الداعمة لطموحاته القيادية. فهل سيستثمر المنبر الجديد للانقلاب على خصمه الزعيم الحالي ريشي سوناك؟