عاد الفنان الفلسطيني فادي الغول إلى ذكرياته طفلاً خلال اجتياح بيروت في المونودراما المسرحية "كلارينت"، من إخراج أكرم المالكي وإنتاج مسر سفر، والتي حازت مؤخراً جائزة لجنة تحكيم مهرجان الرحالة لمسرح الفضاءات المفتوحة في العاصمة الأردنية عمّان.
واستطاع الغول بأدائه المتميّز أن يدخل الجمهور إلى عوالمه الخاصة، ويأخذه في رحلة إلى الماضي، ليعيش يوميات اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي بيروت عام 1982، وهي الحرب التي أدّت إلى خسارة والدته وأعز أصدقائه، لكنّها قربته أكثر من الموسيقى، عبر الكلارينت التي عثر عليها مصادفة في غرفة سرّية بأحد الفنادق.
وجسّد الغول ببراعة شخصيّات العمل، متنقلاً بين والده ونصري الذي علمه العزف على الكلارينت خلال الحرب، وأبو مرعب صاحب المتجر، وصديقه أشرف الذي كان معه حين قتلته قذيفة.
ما زالت ذاكرة الغول غنية بالتفاصيل، لم ينسَ محبوبة المراهقة نورا التي التقاها كهاربين من الموت في حديقة منطقة الصنائع، ويحفظ جيداً تفاصيل مجزرة صبرا وشاتيلا، وكيف أنقذت جدته بفطنتها حياته وشقيقته.
وكان لافتاً تفاعل بعض الحاضرين إلى درجة البكاء مع العرض، رغم عدم خلوّه من ملامح الكوميديا السوداء والاستعراضات.
وأغنت الموسيقى الحيّة التي قدمها الفنان الفلسطيني على الأورغ والكلارينت العرض، ليس فقط لاحترافيته، بل أيضاً لأنّ وظفها بما يخدم مسارع العمل.
حكايات حرب بيروت لم تفارق الغول منذ طفولته، وتحديداً منذ أن كان في سن العاشرة من عمره، وكما يقول المثل الشعبي "الأسى ما بنتسى"، فبشاعة الحرب لا تقتصر على الضحايا والدمار، بل تلاحق الناجين منها، وتقضّ مضاجعهم، فهي الكابوس الذي يقلق راحتهم ويشوّه أرواحهم.
في "كلارينت" استعاد الغول اجتياح بيروت وتبعاته على حياته، راصداً حكايات حرب هي الأكثر قسوة عليه، ليس لأنه لم يعش غيرها، بل لأنّ آثارها طبعت بقية نشأته ومسار حياته.