كلاب البيت الأبيض والكرملين وآخر بثلاث أرجل

02 فبراير 2021
نجومية الرئيس تتبعها نجومية كلبه (Getty)
+ الخط -

لمع الكلب "بادي" في الحياة العربية لمعةً ضعيفةً لدى دخوله البيت الأبيض عام 1997، مرافقاً الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في ولايته الثانية. إذ لوّح مواطن أردني اسمه "بادي" برفع قضية، لما تسبب فيه اسم الكلب من ضرر معنوي له.

وبالطبع، بقيت الغضبة من هذا التشابه زوبعة في أصغر فنجان عربي. فكلب كلينتون، الذي بلون الشوكولاتة، سمّي بهذا الاسم تكريماً لبادي غريشام، (1904- 1997) العم المفضّل للرئيس وصاحب التأثير الكبير عليه، كما قال.

توفي العمّ العجوز، فحزن عليه كلينتون. ووفاء له أطلق اسمه على كلبه العزيز، الذي سيترعرع بين العائلة الأولى في البيت الأبيض.

وسيبقى "بادي" رفيق كلينتون المفضل حتى عام 2002، حين ضربته سيارة عابرة، ليموت عن عمر خمس سنوات.

ومع باقي الكائنات الأخرى، وثّقت سيرة "بادي" في المتحف الرئاسي للحيوانات الأليفة الذي تأسس عام 1999، بُغية الحفاظ على المعلومات، والأشياء المتعلقة بالحيوانات الأليفة الرئاسية، من جورج واشنطن حتى الوقت الحاضر.

وهذا المتحف لا يلزم أن يكون مشهوراً عربياً، لأن طابعه توثيقي وطني، بينما الكاميرا الفوتوغرافية ثم التلفزيونية، تتولى بجدارة ضخ صور حيوية تظهر الرئيس خارج الإطار الإمبراطوري، ولديه فائض من هرمون أوكسايتوسين، يمثله خير تمثيل، الفيديو المنتشر حالياً للرئيس الجديد جو بايدن، وهو يعانق كلبه الضخم ويترك له خده ليلعقه.

تجد في المتحف توثيقاً لمختلف الحيوانات والطيور، لكن الكلاب هي الغالبة. وخلال أكثر من قرن مضى، لدى الرؤساء كلابهم في البيت الأبيض، ما عدا دونالد ترامب، الذي "تميّز" في كل شيء، حتى لربما كان الرئيس الأميركي الأول الذي يمكن وصفه بـ"الرئيس المخلوع" نزوعاً إلى شكل من أشكال التميّز.

نجومية الرئيس تتبعها نجومية كلبه. والأخير لا يأبه به التاريخ، لو كان سارحاً في الشارع، أو حتى مرشداً لرجل أعمى بسيط، مثلما يمكن أن يفعل كلب لابرادور ريتريفر، وهو مُلك أندرو هاغر، المؤرخ المقيم في المتحف الرئاسي.

إنه مجرد مؤرخ، لديه كلب، أطلق عليه اسم "سامي". ولا نعرف إن كان هناك شخص عزيز حمل الكلبُ اسمه. كما لا تبدو نسبة التلويح برفع قضية في الوطن العربي أكثر من صفر في المائة. لأن "سامي" لا يمكن له أن يكون "بادي" مع أن الاثنين من سلالة لابرادور.

دخل تشامب ومايجر، الكلبان من سلالة الراعي الألماني إلى البيت الأبيض مع عائلة الرئيس جو بايدن، وهناك مساعٍ لإدخال قطة، قد تنسجم مع الكلبين، وقد يكون حالُها حال قطة كلينتون "سوكس" التي بقيت على خصام مع "بادي"، حتى أن الرئيس السابق قال مرةً لصحافي على متن طائرة الرئاسة: "هل تعرف أنني حققتُ تقدماً في الشرق الأوسط أكثر مما فعلتُ بين سوكس وبادي".

الرئيس السابق بيل كلينتون يلاعب كلبه "بادي" (Getty)

استطاعت الآلة الإعلامية الضخمة ترويج صور الرؤساء وكلابهم، في نمط يوازي صور نجوم الفن والثراء، الذين يظهرون بملابس غير رسمية مع كلابهم.

فهذه صور الرؤساء أثناء خدمتهم في البيت الأبيض تظهرهم في قيافة كاملة من البدلة وربطة عنق، مع كلب في لحظة عاطفية، وأثناء العطلة في ملابس غير رسمية.

تستفيد السيرة الذاتية للرئيس من حضور الكلب، بوصفه (الرئيس) موظف خدمة عامة، ليس أقل بساطة من ربّ عائلة أميركي انتخبه، وقد ينتخبه لولاية ثانية أخيرة، مثلما تقدّمه للعالم نجماً يكاد يختصر بقامته ما يسمى "المجتمع الدولي".

تختلف الصورة الأميركية "الأشطر" إعلامياً، والأبرع في الحياكة، عن صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين، الذي يبدو مع كلابه كمن يحلف الأيمان باستعادة كبرياء جريحة.

فما عدا ترامب، لو كان لديه كلب في البيت الأبيض، يصعب تخيّل رئيس أميركي، وهو يستخدم حيوانه الأليف لتوجيه رسائل سياسية مباشرة.

لكنّ بوتين فعلها عام 2007 مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عند اجتماعهما في سوتشي لبحث قضايا الطاقة.

بوتين وميركل- تويتر
ميركل اعتبرت إدخال كلب أثناء الاجتماع محاولة لإثبات رجولة بوتين (تويتر)

قطع الاجتماع كلب بوتين الضخم واسمه "كوني"، واقترب من ميركل وبدأ يتشمّمها، وهي متجمدة من الخوف بشكل لا يخفى على العين، بينما كان بوتين فاتحاً ساقيه، وعلى شفتيه طيف ابتسامة.

تعرضت ميركل عام 1995 لعضة أورثتها خوفاً معروفاً من الكلاب. إلا أن الرئيس الروسي في لقاء مع صحيفة "بيلد" الألمانية في عام 2016، نفى أنه كان يريد إخافة ميركل.

لكن الصورة التي أغضبت الإعلام الألماني، سرعان ما اختصرت واقعة سوتشي بسلوك ذكوري تجاه امرأة.

ووفق ما نقلته مجلة "نيويوركر"، فقد فَسّرت ميركل سلوك بوتين قائلة "أفهم سبب فعله ذلك... لإثبات أنه رجل".

بين كلاب الدولتين العظميين، هناك كلب بثلاث أرجل اسمه "مانويلا" وصاحبه خوسيه موخيكا رئيس الأوروغواي بين عامي 2010 و2015.

موخيكا وكلبه ذو الثلاث أرجل (فرانس برس)

وقد لا يكون موخيكا (85 عاماً) اسماً دارجاً في الوطن العربي، لكن فور أن يقال "الرئيس الأفقر في العالم"، أو صاحب سيارة الخنفساء موديل 1987، أو الرئيس الذي يتبرع بثلاثة أرباع راتبه للجمعيات والطلبة، تحضر صورة موخيكا، الذي ظل قبل وبعد رئاسة البلاد، يدور بالشبشب، وهو يرعى نباتاته، ويحرث أرضه.

ذات يوم وهو يقود جرّاره الزراعي داس بالخطأ قائمة صديقه مانويلا، فعولج، وبقي مرافقاً لموخيكا، الذي ينادى "بيبي" شعبياً في بلاده، إلى أن مات مانويلا عام 2018 عن عمر 22 عاماً، وحزِن عليه صاحبُه، وقد كان يصفه بأنه "الأكثر وفاء بين مسؤولي الحكومة".

في لقاء جرى أخيراً على "سي أن أن" بالنسخة الإسبانية، قال "بيبي" موخيكا إنه يريد أن يدفن رماده مع كلبه مانويلا.

قبل 12 ألف عام كان النطوفيون أجداد الكنعانيين يدفنون الموتى مع كلابهم. هذا ما تظهره اكتشافات أثرية في قرية "عين الملاحة" الفلسطينية لقبرين أحدهما يضم امرأة مسنّة مع جرو، وآخر فيه بضعة رجال وكلبان.

ويظهر موخيكا أكثر استلهاماً لروح التاريخ الطويل لعلاقة الإنسان مع أحد أكثر الحيوانات التي أدت دورها في استقرار المجتمعات، وبناء اللبنات الأولى للحضارة.

وعليه، لو جُمع رؤساء البيت الأبيض والكرملين لربما رددوا مع موخيكا: "كلما تعرفتُ إلى البشر، أعشق الكلاب أكثر". فهذه العبارة يمكن أن يقولها الجميع للجميع أمام كلاب رئاسية، سيكون الغريب بينها دائماً هو كلب واحد بثلاث أرجل.

المساهمون