"كريم حراً": وثائقي يرصد يوميات أسير محرّر بعد 40 عاماً في السجن

27 سبتمبر 2023
رصد العمل أيام يونس الأولى خارج السجن (من الفيلم)
+ الخط -

"بيتي مأمني وأماني، رافقتني من قبل أن أخلق فوق ترابها، هي شيء ما في روحي، كبرتُ على أن أحبّها، وهي أيضاً أحبّتني بقدر ما أحببتها، وهبتني نفسها واسمها لأعيش فيها، وهي أكبر قيمة من كلّ الذي سأذكره وذكرته، كيف لشخص ألّا يدافع بكل ما أوتي من قوّة عنها، بقلمه، بصوته، بحبّه، حتى لو بذكر اسمها، فهي فلسطين التي نحبّ... لم أندم، ولو للحظة، بوقوفي أمام العالم لأراها تلمع في ظل الظلام الذي يحيطها".

بهذه العبارات دشّن الأسير الفلسطيني المُحرّر بعد أربعين عاماً من الاعتقال في زنازين الاحتلال، كريم يونس، الفيلم الوثائقي "كريم حراً"، والذي عرض مؤخراً في المسرح البلدي في مقر بلدية رام الله، وسط استقبال رسمي وشعبي ليونس، وهو من إخراج خليل حمادة جبران وإنتاج تلفزيون فلسطين.

رصد الفيلم قصة عميد الأسرى الفلسطينيين منذ لحظة خروجه من الأسر، ومن خلال شهادته وشهادات المحيطين به، هو الذي قال في واحد من المشاهد: "الآن أعود إليها مرّة أخرى، لكنها غير كل المرّات الأولى... لن يبعدني عنها أحد".

وسجّل الوثائقي تحضيرات عائلة يونس لاستقباله في الليلة التي سبقت إطلاق سراحه بعد أربعة عقود في السجن، بينما تحدث يونس عن الليلة الأخيرة بين جدران الزنازين الاحتلالية.

وتجوّلت الكاميرا رفقة شقيقه نديم في المنزل الذي جهّزته العائلة لكريم في بلدته عرعرة المحتلة منذ عام 1948، محاطاً ببيوت بقية أفراد أسرته. وهو ما علق عليه الأسير لاحقاً بالقول: "لا أصدّق، هل أصبح لي بيت؟!"، مقارناً بين منزله الجديد وظروفه الصعبة في السجن.

ووثّق الفيلم لحظات إطلاق سراح كريم والتعقيدات التي رافقتها، ومن ثم اللحظات الأولى لاستقباله من عائلته، والتي علّق عليها: "بعد أربعين عاماً بين جدران البرد والقسوة، مكبلاً بأصفاد الغرباء، أتنفس، أخيراً أتنفس".

وبمجرد أن وصل إلى بلدته قرّر التوجه إلى أم ابن عمّه الذي رافقه في سنيّ اعتقاله، ماهر يونس، والذي أطلق سراحه بعده بفترة وجيزة، فكانت محطته الأولى، قبل أن يعرّج على قبري والده ووالدته، التي انتظرته طويلاً، ورحلت قبل أن تراه حراً، في لحظةٍ مؤثرة له كما للمشاهدين.

وفي ثاني يومٍ على استعادته حريته، بدأ كريم يونس يستشعر أنّ حياته مقبلة على تغيّرات مقارنة باليوميات التي عاشها لأربعين عاماً، فقد اعتاد الجلوس على مقاعد صلبة ليست بمقاعد، ليجد نفسه مرتاحاً وليس بمرتاح على مقعد في سيّارة حديثة يقودها شقيقه، متحدثاً عن ظروف الاعتقال مقارنة بالواقع الجديد خارج السجن.

وعبّر عن ذلك في الفيلم بقوله: "منذ أربعين عاماً لم أقف على ناصية الشارع، ولم يمرّ أمام ناظري هذا الكم من السيّارات، ولم أتجوّل أبداً وحيداً دون أسوار شائكة، ودون قيود تجزّ على أطرافي".

كذلك، وثّق الفيلم حكايات الأسير في الزنازين على ألسنة عددٍ من الأسرى المحرّرين الذين عاشوا معه لفترات متفاوتة، وتحدّثوا عن دوره النضالي والفكري والتعليمي على مدار العقود الأربعة التي قضاها خلف السجون.

واستذكر كريم بتأثّر وداعه لرفاقه في الزنزانة، مؤكداً: "حين ودّعتهم، نظر أحدهم في عينيّ... كانت لحظات صعبة، وتساءلت وقتها: إلى متى سيبقى هؤلاء في زنازين الاحتلال، ومنهم من قضى ثلاثين وخمسة وثلاثين عاماً؟!".

وفي الوقت الذي كان يعلّمه بنات وأبناء أشقائه وشقيقاته على استخدام التكنولوجيا الحديثة في منزله، كان يتحدث عن ظروف اعتقاله قبل أربعين عاماً، وعن التغيّرات التي طرأت على العالم خلالها، معبراً عن سعادته بأوّل عيد يقضيه منذ عقود خارج القضبان، رفقة أسرته.

المساهمون