انتقد الكاتب والمدون الفرنسي، بيير نوبان لامبير، "بعض الأفكار المزعجة" التي تعبر عنها مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة، منوهاً إلى أنه على الرغم من مشاركة الصحافة المحلية والعالمية ورؤساء الدول في حملة Je suis Charlie (أنا شارلي) التي انطلقت إثر الاعتداء الدامي عليها عام 2015، فإنه لا يزال غير قادر على القول "أنا شارلي".
وفي تدوينة نشرتها صحيفة "لوموند" الفرنسية، أوضح الكاتب أنه يشارك في إدانة الاغتيال، ولا يساوم على مبدأ الدفاع عن حرية الضحايا، باعتبارهما من المسلمات في الدول المتحضرة والديمقراطية، لكنه لا يستطيع تفهم موقف "شارلي إيبدو" بـ"السخرية من النبي محمد الذي يعرف الجميع أنه يحظى باحترام كبير من قبل المسلمين كلهم".
ورأى نوبان لامبير أنه ربما كان هدف "شارلي إيبدو" فقط هو اختبار مقاومة أكثر "الدوائر الإسلامية صرامة لعقيدتهم للسخرية والإهانة ضد رمزهم الأكثر قداسة"، مشيراً إلى أنه بالنسبة إلى صحافيي المجلة، كان ذلك دليلاً "على الحرية المطلقة التي يجب أن تتمتع بها الصحافة".
وكتب "أتخيل أن الرسامين الذين أعدوا (الكاريكاتير) ضحكوا جيداً، وتوقعوا أن يكون رد فعل هؤلاء المسلمين عنيفاً بالكلمات فقط... ربما استندوا إلى رد فعل الكاثوليك في فرنسا الذين أحبوا السخرية منهم لفترة طويلة والإفلات من العقاب. تألمت الكنيسة، لكنها ظلّت صامتة مقتنعة بأن إقناع الفرنسيين (بأفكار شارلي إيبدو) يتطلب أكثر من الشر والغباء غير المبررين".
وهاجم الكاتب محرري المجلة، معتبراً أنهم "متعجرفون، نصبوا أنفسهم بمقام الأطباء وأصحاب تفكير نخبوي على كل الناس"، واتهمهم بمحاولة فرض "المعيار الغربي والفرنسي" على أذهان الكلّ.
أتخيل أن الرسامين الذين أعدوا (الكاريكاتير) ضحكوا جيداً، وتوقعوا أن يكون رد فعل هؤلاء المسلمين عنيفاً بالكلمات فقط
ووصف الكاتب محرري "شارلي إيبدو" بأنهم أحد "أكثر الأمثلة مأساوية" لما يقوله عالم الجغرافيا والاجتماع الفرنسي كريستوف جيلوي عن المجتمع الفرنسي، أي "من المدهش أن نلاحظ أن البرجوازية الجديدة، غالباً من اليسار، هي الآن جزء من الخط الأيمن للبرجوازية التقليدية في فرنسا التي لم تستطع النظر إلى الطبقات الشعبية إلا على أنها طبقات خطرة وغير متعلمة وطفولية، كان لا بد من تعليمها بشكل عاجل".
وبرر بيير نوبان لامبير وجهة نظره بالقول إن مؤلفي الرسوم الكاريكاتورية نسوا أحد الشعارات الثلاثة للجمهورية (الأخوة)، واستبدلوها بثلاثية "الازدراء والاكتفاء والعداوة".
واستحضر الكاتب حادثة مقتل الأب جاك هامل على يد إرهابيين من تنظيم "داعش" داخل الكنيسة في مدينة سانت إتيان دو روفراي عام 2016، وقال إن الكاثوليك اتخذوا موقفاً عقلانياً بعد الحادثة. إذ بينما كان كل شيء يحث على الانتقام، أعلن رئيس أساقفة منطقة روان التي تتبع لها المدينة أنه "لا يمكن للكنيسة الكاثوليكية أن تأخذ أي سلاح آخر غير الصلاة والأخوة بين الرجال. وفي اليوم التالي، دعا كاثوليك أبرشية سانت إتيان دو روفراي مسلمي المنطقة الذين سمحوا لهم ببناء مسجدهم على أرض الرعية، للمشاركة في الاحتفال بجنازته. إنهم الجمهوريون الحقيقيون. هم الذين يمارسون شعار الجمهورية الثالث، الأخوة. إنهم من يدفعون بدمج المهاجرين المسلمين في ثقافتنا، في حين أن سخرية (شارلي إيبدو) تسيء حتى إلى أكثر المسلمين تسامحاً".
وختم الكاتب بالقول، إن محرري المجلة الساخرة أرادوا الدفاع عن حرية الصحافة بأي ثمن، لكنهم نسوا أن "المسلمين ليسوا الطرف الحقيقي الذي يهدد الصحافة في فرنسا (...) بل في الواقع، ما يهدد الصحافة في البلاد هو التمويل الذي يعد أكبر خطر على استقلاليتها".