ق. ق. ج

22 يوليو 2021
من سلسلة الرسوم المتحركة التلفزيونية "حب، موت وروبوتات" (نتفليكس)
+ الخط -

تمنى عليّ الفنان المبدع عماد حجاج أن أشاهد سلسلة الرسوم المتحركة التلفزيونية "حب، موت وروبوتات". وتلبية لطلب صديقي، مبتكر شخصية "أبو محجوب"، شاهدت موسمي العمل، بحلقاته الـ 26، على شبكة نتفليكس. العمل، كما يعرّفه صانعوه: "توليفة متنوعة لمخلوقات مرعبة، ومفاجآت مريعة وكوميديا سوداء، عبر قصص مختارة بتقنية الرسوم المتحركة، يقدمها تيم ميلر وديفيد فينشر". وهما مخرجان ومنتجان أميركيان، من أهم صناع الرسوم المتحركة في هوليوود.
والحقيقة أن موضوعات السلسلة تدور حول الموت والحب والروبوتات، وعلاقتها بالإنسان ومستقبل البشرية، الذي يشبه مقامرة مؤلفة من هذه العناصر الثلاثة، وهذا ما يبرز في شارة المسلسل، حيث نجد ماكينة الحظ (السلوت ماشين)، ببكراتها الثلاث، ولكن بدلاً من الرقم 7، نجد شارات تشير إلى المفاهيم الثلاثة في عنوان المسلسل. ما تلخص إليه معظم الحلقات أن البشر قد دمروا حضارتهم وحياتهم، بسبب غبائهم وكسلهم وغرورهم، وبسبب تلاعبهم بالبيئة والمناخ والبيولوجيا، والعبث بالتاريخ ومع الأساطير. والكارثة الكبرى هي تطويرهم واعتمادهم على الآلات التقنية، ولا سيما الروبوتات.
تبدأ السلسلة بحلقتها الأولى، "الروبوتات الثلاثة"، إذ نشاهد روبوت يدوس على جمجمة بشرية، لنكتشف أن مدن العالم قد أبيدت، والحياة فيها قد انتهت بكارثة بيئية، وسيطرت على الأرض قطط معدلة وراثياً، وأن البشرية قد فنيت بسبب غطرستها، واعتقاد البشر أنهم قمة الذكاء، وهم "ليسوا سوى مجموعة أغبياء".
تسبح معظم أجزاء السلسلتين في فضاء لامتناهٍ وخيال مفرط، حيث نجد حلقة "ما وراء صدع أكويلا" تعالج ضياع الأرواح وهيامها في عالم بعيد عن كوكبنا، وكأننا أمام مقاربة لرؤية دينية للحياة الأخرى. في حلقة أخرى، يعيش تاريخ البشرية في ثلاجة قديمة؛ إذ يكتشف الزوجان في حلقة "العصر الجليدي" حروب البشر عبر التاريخ في ثلاجتهم، وعودة الحياة للعصر الجليدي.
تحضر السياسة بشكل مباشر وغير مباشر في الكثير من الحلقات، إذ نجد أن مآلات غباء السياسة وتدهور الاقتصاد تنتهي بكوارث كبرى، كما حصل في حلقة "حين يسيطر الزبادي". وهذا اللبن هو مخلوق مطور وفائق الذكاء، ويستطيع تقديم حلول سحرية خلاقة لمشاكل البشر التي تسبب بها السياسيون وجشع الشركات، ولكنه يطلب مقابل ذلك حكم ولاية أوهايو الأميركية.
يفشل الساسة بتنفيذ توصيات ومعادلات الزبادي؛ فينهار الاقتصاد العالمي باستثناء أوهايو التي تعيش رخاء ورفاهية؛ فيوقع الرئيس الأميركي اتفاقاً مع الزبادي بمنحها السلطة التنفيذية، وإعلان حالة الأحكام العرفية مقابل تقديم الحل. كالعادة، يفشل البشر في تطبيق حلول الزبادي بسبب "غبائهم وغروهم"؛ فتقرر الزبادي الهجرة للفضاء، حيث لا بشر. نرى قصصاً متنوعة بخلفيتها الجغرافية، وإن كانت معظمها تدور في العالم الغربي، ولا سيما الولايات المتحدة؛ فنشاهد قصة من جنوب شرق آسيا وأخرى من روسيا وثالثة من أفغانستان.
في هذه القصص، يحضر تاريخ مناطق العالم وأساطيره وخرافاته، مع تداخل لما صنعه الإنسان بالعبث مع موارد الطبيعة والهزء من قيمة الحياة. يمكن هنا أن نستشهد بحلقة "مساعٍ مؤقتة"، التي تسرد قصة الفتاة الآسيوية الجميلة الممسوخة (روح الثعلب)، ويمكن أن تجد بها إشارات تحيل إلى توثب الآسيويين وخداعهم واستنساخهم لمنجزات الآخرين. تقدم حلقة أخرى سيناريوهات كوميدية مختلفة، على افتراض موت هتلر قبل استيلائه على السلطة، وماذا يمكن أن يحصل.
نشاهد قصة عن الجيش الأحمر السوفييتي ودخوله حرباً سرية مع مخلوقات خرافية من أساطير الفلاحين الغامضة في سيبيريا الروسية، وهي المخلوقات التي استعان بها الجيش الأحمر عام 1917، حيث أرسلت الثورة البلشفية ضابطاً يؤمن بالخوارق في مهمة لاستدعاء "كائنات شيطانية للقتال بجانب الجيش الأحمر".
بالمقابل، وفي حلقة أخرى، يستعين الجيش الأميركي ببشر معدلين وراثياً، ومزودين بقدرات خارقة للقتال بأفغانستان، وتكمن المفارقة أن هؤلاء الخارقين يواجهون كائنات بقدرات عجيبة كمثل ميزاتهم، وكذلك يواجهون كره زملائهم العاديين.
تكثف حلقة "النفايات" مقولات المسلسل؛ إذ تتحول القمامة إلى مخلوق مفترس يتغذى على البشر، بأوامر من صاحب المنزل، "دايف القبيح"، الذي يستدعي هذا المخلوق المشكل من أكوام القمامة لالتهام عمدة المدينة.
تبدو صناعة المسلسل مبهرة تقنياً، وفي ثناياه الكثير من الرسائل المهمة عن حياتنا ومستقبلنا، ولكن الكثير من الحلقات مختزلة وكأنها سيناريو أولي لم يطور بعد، أو شيفرات مرسلة على شكل قصة قصيرة جداً، أو ما يعرف بـ ق. ق. ج.

دلالات
المساهمون