القنوات الجزائرية تترقب قانوناً جديداً... حسابات السلطة ومخاوف الإعلاميين

12 سبتمبر 2021
من احتجاج في الجزائر عام 2019 (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

لم تجد إدارة تحرير قناة "لينا" المستقلة سبيلاً للطعن في قرار السلطات الجزائرية توقيف بثها ونشاطها الإعلامي في الجزائر، فيما لا تزال شاشتها، بعد مضي ثلاثة أسابيع على غلقها، سوداء تحمل بياناً مقتضباً من القناة يتحدث عن طعنها في القرار، إذ لا تجد القناة جهةً تتجه إليها في ظل عدم تفعيل قانون السمعي البصري

يعطي هذا المشهد فكرة واضحة عن غموض يعتري القطاع السمعي البصري في الجزائر منذ انطلاقته غير المنتظمة في عام 2012، حين كانت السلطات الجزائرية تبطئ في كل مرة ولدواعٍ مختلفة، في تطبيق قانون السمعي البصري الذي صدر نصه الأول في إبريل/نيسان 2014، أو في تعديله لتجاوز العوائق الطارئة. في الفترة الأخيرة، تبرر السلطات ذلك برغبتها في عرض نص قانوني جديد ينظم قطاع السمعي البصري ويسوي بشكل نهائي "وضعية مريبة" لعشرات القنوات التي تعمل في الجزائر دون ترخيص ودون اعتماد يحدد وضعيتها. إذ وبخلاف دعوة كان الرئيس عبد المجيد تبون قد وجهها للحكومة في شهر يوليو/تموز الماضي، بضرورة الإسراع في تسوية وضعية القنوات المستقلة العاملة في الجزائر، تراجع الرئيس عن ذلك، وطلب من الحكومة إحالة قانون السمعي البصري الجديد، إلى البرلمان لتوسيع النقاش حول مضمونه، بسبب ما تعتبره الحكومة إكراهات المناخ السياسي والتطورات المجتمعية وضرورات إيجاد ضوابط توازن بين الحق في الإعلام والأمن المجتمعي.

تنشط في الجزائر في الوقت الحالي، بحسب بيانات وزارة الاتصال، أكثر من 20 قناة، بعدما أغلق عدد آخر من القنوات لأسباب اقتصادية كـ"نوميديا"، و"كاي بي سي"، أو بسبب التضييق السياسي من قبل السلطات. والأخيرة تكفلت أيضًا بإغلاق عدد من القنوات على غرار "الوطن"، و"الأطلس" سابقاً، ولاحقاً أغلقت قنوات "لينا" و"الجزائرية". وتتمهل السلطات في التعاطي مع الملف الإعلامي السمعي البصري، إذ لا تريد لهذا القطاع أن يكرر تجربة الصحافة المكتوبة المستقلة في التسعينيات، والتي تعتبرها تجربة منفلتة، لكونها خرجت من تحت سطوة الرقابة إلى حد ما، خاصة بعدما أخفقت السلطات نفسها في فرض ضغوطات على الصحف عبر الإشهار (الإعلانات). 

تنشط في الجزائر في الوقت الحالي، بحسب بيانات وزارة الاتصال، أكثر من 20 قناة، بعدما أغلق عدد آخر من القنوات لأسباب اقتصادية أو بسبب التضييق السياسي من قبل السلطات

يحيل ذلك الكثير من المراقبين إلى الاعتقاد بأنّ السلطة تبحث عن تضمين القانون الجديد مزيدًا من الأدوات القانونية التي تسمح لها بالسيطرة على قطاع السمعي البصري، تحت دواعي الأمن الاجتماعي وحماية البلاد وأخلقة المهنة. وفي السياق، يعتقد الباحث في قضايا الإعلام محمد دوحاجي في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّه "من الواضح أنّ قطاع الإعلام يمثل مسألة حيوية بالنسبة للسلطة، ولذلك لا يمكن أن نتوقع منها أن تسلّم في القطاع بسهولة دون أن تضع له الضوابط والمحددات التي تمكنها من السيطرة عليه وتوفير الوسائل القانونية التي تمكنها من غلق أي قناة لأدنى خروج عن النص وعن سردية السلطة"، مضيفاً أنّ "ما يفسر ذلك هو أن الرئيس تبون وعد منذ الخامس من يناير/كانون الثاني 2020 بتسوية وضعية القنوات ومواقع الإعلام الإلكتروني، لكن الأمر لم يتم حتى الآن، تحت دواعٍ مختلفة، وهذا يعطينا فكرة عن أنّ السلطة تعتبر الإعلام وتتعاطى معه كملف أمني أكثر منه كجزء من البناء الديمقراطي".

لكن الحكومة الجزائرية تضع لهذا التأخير تفسيرات أخرى. فبيان مجلس الوزراء الأخير تحدث عن أن الحكومة تبحث عن قانون إعلام وقانون سمعي بصري، "يضمن توافقاً بين القرار الديمقراطي والحفاظ على الأمن القومي للبلاد، ووضع تدابير جديدة تلزم القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام باحترام آداب وأخلاقيات المهنة". ويأتي ذلك مع تزايد لافت لحساسية السلطة من تعاطي الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مع بعض الملفات السياسية خاصة. ويتضح ذلك بجلاء في نص القانون الجديد للسمعي البصري الذي تعتزم الحكومة الجزائرية إحالته إلى البرلمان قريباً، والذي تضمن تدابير تحدد شروط إنشاء القنوات والملكية ومنع أي تمويل أجنبي للقنوات وضمان حق الدولة في تأميم القناة. وينطبق الأمر نفسه على الإذاعات المستقلة والقنوات التي تبث على الإنترنت، ويوسع القانون الجديد صلاحيات السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري، بصفتها هيئة تتمتع بالاستقلالية، إلى مهمة الضبط والمراقبة وتسوية النزاعات.

بين كل هذه المواقف والتفسيرات، ينتظر الإعلاميون والمهنيون صدور النسخة الأولى لقانوني الإعلام والسمعي البصري المعدلين، على أمل أن يعني ذلك نهاية وضعٍ غامض ظلّت تعيشه القنوات والمؤسسات الإعلامية في الجزائر. ومع أنّه كما كل الإعلاميين، يدعم كل مسعى لتنظيم قطاع الإعلام والسمعي البصري في الجزائر، بما يضمن بيئة مهنية منظمة ووضعًا أكثر انتظامًا بالنسبة للصحافيين، الا أنّ الإعلامي عمار شريتي يعبّر في الوقت نفسه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن مخاوف من أن تكون أغلب الضوابط الواردة في النصوص القانونية الجديدة مقيدةً للعمل الصحافي، خاصة أنّ المؤسسات المفترض أن تشرف على تنظيم المهنة، أغلب أعضائها معينون من قبل الرئاسة.

من جانبه، يؤكد القيادي في المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين، عزيز طواهر في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "القانون على أهميته يبقى غير كافٍ لتنظيم القطاع، لأنّ المشكلة الأساس في الجزائر ليست في النصوص، بل في غياب رؤية واضحة واستراتيجية للدولة في علاقة بالإعلام والسمعي البصري ومتطلباته المهنية وبيئته وإسهامه في البناء الديمقراطي". ويتوقع طواهر أن يصدر القانون الجديد لتنظيم القطاع الإعلامي في غضون شهر أو أزيد، إذ سيقدم المجلس الوطني للصحافيين وثيقة مقترحاته إلى لجنة الثقافة والاتصال في البرلمان.

المساهمون