"قمرة"

03 ابريل 2023
تعالج مهى حاج في "حمى البحر المتوسط" أوضاع الفلسطينيين في الداخل (لويك فينانس/فرانس برس)
+ الخط -

شاهدت الأفلام الثمانية التي عرضت خلال الدورة التاسعة من ملتقى قمرة السينمائي، والذي عاد للانعقاد حضورياً في الدوحة بعد دورات افتراضية بسبب جائحة كورونا.

استطاع "قمرة" أن يكون "منصة للأصوات الجديدة في عالم السينما" فعرض أفلاماً من بلدان لم نعتد مشاهدة سينماها، إمّا لندرة إنتاجها أو انعدامه، عدا أن جودة التجربة في بواكيرها غالباً ما تكون متواضعة، وفضلاً عن احتكار الغرب لهذه الصناعة وآليات إنتاجها وتسويقها ومنصات عرضها ودورتها الاقتصادية.

لا يتاح للمتابع، لولا هذه العروض، مشاهدة فيلم من تنزانيا أو إثيوبيا أو السودان بتوقيع مخرج لبناني أو فيلم صوّر في كولومبيا عن سيدة إسكوتلندية بتوقيع مخرج تايلاندي.

ولا تقتصر فكرة الأصوات الجديدة على بلدان معروفة بقلّة إنتاجها السينمائي، وإنما أيضاً على حساسية فنية جديدة للعمل السينمائي، من السيناريو إلى الإخراج كما شاهدنا في الفيلم التونسي "تحت أشجار التين" للمخرجة أريج سحيري، والذي يقدم مادته الوثائقية عن عاملات وعمال يعملون موسمياً بجمع التين بأسلوب روائي أخاذ.

استطاعت المخرجة القادمة من صناعة الوثائقيات أن تلتقط انفعالات وانشغالات الجيل الشاب من التونسيين والتونسيات مع الجيل الأكبر سناً وتجربة، لتعكس هموم الجيلين معاً بين الحب والعمل والبراءة والاستغلال والحلم والواقع والحداثة والتقليد، وذلك بحوارات وجدالات ذكية عبر مواقف إنسانية عادية ولتعكس بذلك حال المجتمع دون استخدام لغة متعالية عليه.

ومن الأفلام التي امتلكت حساسية جديدة الفيلم اللبناني "بركة العروس" للمخرج باسل بريش، والذي يتحدث عن أم وابنتها من منطقة الشوف الدرزية الجبلية، إذ تأخذنا الصورة إلى معاني السكون والصمت اللذين يميزان هذا المجتمع.

تميّز فيلم "حمى البحر المتوسط" لمها حاج بعرض الحياة المتناقضة للمجتمع الفلسطيني داخل دولة الاحتلال، حيث يقوم الفيلم على رواية حياة صديقين أحدهما كاتب مثقف ومكتئب، فيما الآخر مجرم منغمس في عالم الجريمة والمافيا والمتع الحياتية.

وساهمت شركة ميتافورا بإنتاج كلّ من فيلمي "بركة العروس" و"حمى البحر المتوسط".

بالنسبة لي كانت مشاهدة الفيلم الإثيوبي "فيا دي" مفاجأة سارة، فقد أدهشتني المخرجة جيسيكا بشير بصورة مبدعة وحوار شيّق عن عوالم صوفية غارقة بنشوة حب الخالق ومضغ القات.

ولعل عنوان الفيلم "فيا دي" باللغة السواحلية، تعني فيوضا أو فيضا، هو الكلمة المفتاحية في عالم التصوف الذي يسيطر على مجتمع الفيلم المسلم في إثيوبيا، حيث يرصد العمل رحلة نبتة القات من الزراعة مكان أشجار البن، مروراً بتجهيزها ونقلها وتسويقها وبيعها، وصولاً إلى مفعولها الساحر على جميع فئات المجتمع، إذ تشكل فرصة للهروب من الواقع وتحقيق الأحلام.

ويعتمد الفيلم على متابعة الصبي محمد، الذي يضطر للعمل في تجارة القات، ولكنّه يقرر أخيراً أن يهاجر بشكل غير شرعي للبحث عن والدته التي ذهبت للعمل في السعودية ولم تعد.

ولا بد من التنويه بضخامة إنتاج وتميز الفيلم الجزائري "الأخيرة"، والذي يتناول عروج بربروس عام 1516، أحد أشهر القراصنة في التاريخ، للسلطة في الجزائر بعد تحريرها من الإسبان وقتله الملك سليم تومي ومحاولة زواجه من الملكة زفيرة التي تفضل قتل نفسها.

والفيلم من إخراج عديلة بن ديمراد، والتي مثلت دور البطولة فيه أيضاً.

لم يكتف ملتقى قمرة بعرض هذه الأفلام، بل موّلها جزئياً، ابتداءً من تطويرها وصولاً إلى عرضها على الشاشة. أما في هذه الدورة فقد اختير 26 مشروعاً سينمائياً طويلاً و7 مسلسلات و11 فيلماً قصيراً، في مختلف مراحل الإنتاج، للاستفادة من الجلسات التدريبية واجتماعات العمل مع خبراء السينما الدوليين والمنتجين، مع التركيز على صناع السينما الذين يخوضون تجاربهم الأولى أو الثانية.

المساهمون