"قلق في بيروت": اللبنانيون يتوارثون القلق والحروب

17 مارس 2024
فاز بجائزة الكأس الذهبية في مهرجان شنغهاي السينمائي (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- "إما الطائرة أو التابوت" تعبير يلخص يأس اللبنانيين وسط أزمات متتالية، حيث يعكس فيلم "قلق في بيروت" لزكريا جابر هذه الأحوال من خلال تجربته الشخصية وتحديات جيله في ظل الأزمات وفيروس كورونا.
- الفيلم حاز على استحسان دولي وجوائز مرموقة، مثل أفضل فيلم وثائقي في برشلونة والكأس الذهبية في شنغهاي، متجاوزًا الرقابة ومواجهًا تحديات العرض، مع خطط للعرض أونلاين لجذب جمهور أوسع.
- زكريا جابر يرفض الاستسلام لنظرية الجينات في تحديد مساره الفني، مفضلًا التمرد والبحث عن هويته الخاصة. الفيلم يناقش علاقة الفن بالثورة والمجتمع، مؤكدًا على الدور المتبادل بين الواقع والإبداع.

"إما الطائرة أو التابوت"، كلمتان تعبّران عن ذروة اليأس الذي بلغه اللبنانيون بعد تراكم سلسلة من الأزمات المروعة التي لم يشهد لها العالم مثيلاً. كلاهما وسيلتا نقل، الأولى تقلك إلى المجهول الآخر والثانية تقلك إلى المعلوم المجهول. فلا حياة للإنسان الطبيعي في هذا المناخ من الفقر والخواء والوباء.

فيلم زكريا جابر "قلق في بيروت" يتداخل فيه العام بالخاص، لينقل بالكاميرا قصة عيشه مع والده يحيى جابر في فترة تفشي فيروس كورونا وما سبقها وتلاها على أرض الواقع من مشاهد حقيقية.

الفيلم التسجيلي يؤرخ ويوثق للمرحلة تلك من قلبها ومن شاهد عيان، له رؤية وتطلعات أبناء جيله ممّن وُلدوا في أتون الحروب المتتالية على سبل عيشهم الطبيعي فلم يرثوا غير القلق وجيناته.

لا يزال المخرج اللبناني زكريا جابر يحصد ثمار نجاح "قلق في بيروت" في المهرجانات السينمائية الدولية، إذ حاز أخيراً جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان السينما العربية والمتوسطية في برشلونة، بعد عدة جوائز كان أهمها جائزة الكأس الذهبية في مهرجان شنغهاي السينمائي، وجائزة أفضل مونتيير في مهرجان الأردن السينمائي بدورته الرابعة.

الفيلم المثير للجدل حسب قول مخرجه لـ"العربي الجديد"، والذي لن يُعرَض على جهة رقابية، ولكنه بشهادة من شاهدوه، قد ألقى ضوءاً كاشفاً على خفايا وزوايا لم تكن مرئية بالنسبة إليهم، "وهذا هو الأهم برأيي والتأثير المرتجى من عمل الفن... فالرقابة أحد أسباب عدم سلوكه طريق العرض في الصالات، وليس السبب الأوحد. ولكنه قريباً سيُعرَض أونلاين". ويضيف: "لا توجد لدينا ثقافة مشاهدة الفيلم الوثائقي في صالة سينما".

منذ تحرك "طلعت ريحتكم" إثر أزمة النفايات التي ضربت لبنان في عام 2015، ​شهد لبنان نشوء حركة مدنية واسعة، رداً على تفاقم أزمة النفايات بعد إغلاق المطمر الرئيس المعروف في منطقة الناعمة.

وعلى الرغم من أن والده هو المخرج يحيى جابر الذي يحتل حيزاً مهماً في المسرح اللبناني ووالدته هي الفنانة التشكيلية سهى صباغ، إلا أنه لا يرى في تأثير الجينات ما يجعله يذعن وينصاع لهذه النظرية، بل على العكس هو يتمرد باستمرار وبتحريض من الأهل أنفسهم الذين شجعوه على الانخراط في الفن ودعمهم ميوله من دون الركون إلى مسألة الجينات والوراثة. تماشياً مع أُسطورة قتل "الأب الرمزي"، التي قالها عالم النفس سيغموند فرويد في كتابه "الطوطم والمحرَّم"، تلك الأسطورة الافتراضيّة في أساس ونشأة المجتمع البشري، والتي لم تزل البشرية تحمل مأساة تلك الأسطورة المغروسة بشكلها الخفيّ، وقد توارثتها الأجيال على المستوى النفسي – الجمعي – اللاواعي.

في إطار نظرته إلى الفن وعلاقته بالثورة وإذا ما كان يصلح ليكون بدلاً من ضائع، نفى جابر أن يكون بفيلمه قد دافع عن انتفاضة 17 تشرين. وبرأيه "وظيفة الفن ليس صنع الثورة، وإنما الفن يسير ويتطور بموازاة حركة الزمان والإنسان والمكان، وبهذا المعنى يمكنه التأثير في الوعي وحركته وتطوره وهذا ما يحصل في الواقع عادة. التأثر والتأثير متبادل بين الواقع المجتمعي والفنون عموماً"، يقول لـ"العربي الجديد".

وبالرغم من كل ذلك النفي في خطاب زكريا جابر، بدأ جليّاً أنه ورث عن أبيه القلق الذي يؤدي إلى الخلق والإبداع، ذلك القلق الذي يتكئ عليه كل مشتغل في ميدان الفنون والشعر والموسيقى لأنه جذوة الروح المتقدة بكل ما فيها من اعتمالات.

ماذا يعني أن يفوز مخرج عن فيلمه الأول بالجائزة الذهبية في شنغهاي؟ هل هي ضربة حظ أم شطارة؟ يقول جابر: "ما أعرفه أنني فوجئت مفاجأة سارة، وما زلت أتذكر اللحظة التي أعلنت فيها النتيجة. قد تكون شطارة وضربة حظ في الوقت عينه"، عازياً هذه النتيجة إلى فريق العمل كلّه والإنتاج الذي وسع أفق النجاح.

يقول الروائي المصري أحمد عبد اللطيف إن الكاتب لا يتوقع عادة الفوز بجائزة "ومن الأفضل له أن ينساها بعد أن يتقدم لها حتى تُعلن، ويتذكرها إن فاز بها، وإلا فليواصل نسيانه".

تصلح هذه المقولة في كل ميادين الإبداع، فلتنسَ الجائزة يا زكريا وتواصل عملك.

المساهمون