"صُعق" عالم النفس العصبي برنارد سابِل حين بدأ باستخدام أداة كشف البحوث الزائفة التي ابتكرها، فبعدما مسح نحو 5 آلاف دراسة، قدّر أن ما يصل إلى 34 في المائة من تلك المتعلقة بعلم الأعصاب، المنشورة عام 2020، مفبركة أو مسروقة. في مجال الطب، كانت النسبة 24 في المائة. النسبتان اللتان ذكرهما سابِل وزملاؤه، في تقرير لموقع medRxiv المتخصص، أعلى بكثير من ما رصدوه عام 2010.
وقال برنارد سابِل، وهو بروفيسور في جامعة أوتو فون غريكي ماغديبورغ الألمانية ورئيس تحرير دورية "ريستوريتيف نيورولوجي أند نيوروسَينس" Restorative Neurology and Neuroscience: "يصعب بشدة تصديق الأمر... كأن يأتي شخص ويخبرك بأن 30 في المائة من ما تأكله سامّ".
ما توصل إليه سابِل وزملاؤه يؤكد الشكوك المثارة منذ فترة: المجلات العلمية يجتاحها سيل من مخطوطات مصانع الورق، وهي تجارة سرية تسمح للباحثين بتسجيل أعمالهم مقابل المال، وهذه الأعمال قد تكون زائفة أو مسروقة. وأفادت عالمة النفس في جامعة أكسفورد التي تدرس الممارسات الاحتيالية في مجال النشر، دوروثي بيشوب، بأن "مصانع الورق حققت ثروات عبر ضرب نظام لا يعرف كيفية التعامل مع هذه الأساليب"، وذلك في حديثها لمجلة سَينس الثلاثاء الماضي. دار النشر "هنداوي" سلطت الضوء على هذا التهديد في 2 مايو/أيار الحالي، حين أعلنت عن إغلاق أربعة من مجلاتها بعدما وجدت أن "خطراً كبيراً ألحق بها" جراء مصانع الورق.
الأداة التي استخدمها سابِل تعتمد على مؤشرين فقط: المؤلفون الذين يستخدمون عناوين بريد إلكتروني خاصة وغير مؤسسية، وأولئك الذين يدرجون ارتباطاً بمستشفى. إنه ليس حلاً مثالياً، لأنها قد تصنف بحوث كثيرة على أنها زائفة عن طريق الخطأ. مطورو أجهزة الكشف عن البحوث الزائفة الآخرون، وهم غالباً لا يكشفون إلا القليل عن كيفية عمل أدواتهم، يتعاملون مع مشكلات مماثلة. ومع ذلك، فإن هذه الأدوات تثير الآمال في التغلب على مصانع الورق التي تنتج مخطوطات زائفة تحتوي على نصوص وبيانات وصور مسروقة أو ملفقة جزئياً أو كلياً. بعض هذه الأوراق تُعتمد من قبل المراجعين غير الصارمين بإغراء من المؤلفين.
تهدد مثل هذه المخطوطات بإفساد الأدبيات العلمية، وتضليل القراء، وربما تشويه المراجعات المنهجية. وأدى ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي أخيراً، على غرار "تشات جي بي تي"، إلى إثارة المزيد من القلق.
وللرد على هذا التهديد، تقود الرابطة الدولية للناشرين العلميين والتقنيين والطبية (STM) التي تمثل 120 ناشراً مشروعاً تحت عنوان "مركز النزاهة" Integrity Hub، لتطوير أدوات جديدة. لا تكشف الرابطة كثيراً عن طرق الرصد التي تعتمدها، لتجنب انقلاب مصانع الورق. وقال مسؤول المنتج في Integrity Hub، جوريس فان روسوم، لـ"سَينس": "هناك نوع من سباق التسلح". وأشار إلى أن إحدى العلامات الموثوقة على وجود تزييف هي الاستناد إلى العديد من الأوراق التي سحبت، والعلامة الأخرى هي المخطوطات والمراجعات المرسلة عبر البريد الإلكتروني من عناوين الإنترنت المصممة لتبدو مثل تلك الخاصة بالمؤسسات الشرعية.
يساعد عشرون ناشراً بما في ذلك أكبرهم، مثل "إلسيفير" و"سبرينغر نيتشر" و"ويلي"، في تطوير أدوات Integrity Hub، ومن المتوقع أن يستخدم عشرة من الناشرين جهاز الكشف الذي كشفت عنه الرابطة في إبريل/نيسان الماضي. تتوقع الرابطة أيضاً أن تجرب هذا العام أداة أخرى، تكشف عن المخطوطات المرسلة في وقت واحد إلى أكثر من مجلة، وهي ممارسة تعتبر غير أخلاقية وعلامة على أن مصدرها مصانع الورق. ورأى فان روسوم أن مثل هذا التعاون واسع النطاق يهدف إلى تحسين ما كان الناشرون يفعلونه بشكل فردي ومشاركة الأدوات عبر صناعة النشر. لكنه أردف قائلاً: "لن تكون هذه العملية أبداً عملية مؤتمتة بالكامل. تشبه الأدوات عامل تصفية البريد العشوائي... ما زلت تريد المرور عبر أداة تصفية البريد العشوائي كل أسبوع".
لم تصدر الرابطة إلى الآن أرقاماً عن الدقة أو النتائج غير الدقيقة لأن المشروع لا يزال جديداً. حددت أداة سابِل بشكل صحيح ما يقرب من 90 في المائة من الأوراق المزورة أو المسحوبة في عينة اختبار. ومع ذلك، فقد صنفت ما يصل إلى 44 في المائة من البحوث الأصلية على أنها زائفة، لذلك لا تزال النتائج بحاجة إلى تأكيد من قبل المراجعين المهرة. وقد يستغرق التدقيق في الأوراق المشبوهة وقتًا طويلاً؛ عام 2021، تطلبت مراجعة "سبرينغر نيتشر"، لنحو 3 آلاف دراسة يشتبه في أنها قادمة من مصانع الورق ما يصل إلى 10 موظفين بدوام جزئي ودوام كامل.