أعلنت وزارة الاتصالات الفلسطينية أن خدمات الاتصالات والإنترنت ستتوقف بشكل كامل في قطاع غزة يوم الخميس المقبل. وقال وزير الاتصالات إسحق سدر إن خدمة الاتصالات والإنترنت ستتوقف بالكامل بسبب نفاد الوقود، ما سيساهم في تعميق الكارثة الإنسانية، لعدم قدرة المواطنين على التواصل مع خدمات الطوارئ والإغاثة والنجدة. وأوضح سدر، خلال مؤتمر صحافي عُقد الأحد: "نحن اليوم أمام أزمة كبيرة في ظل نفاد الوقود بشكل كامل، فقد بدأت الشركات الفلسطينية تفقد عناصر رئيسية من الشبكة بشكل تدريجي، وذلك بسبب نفاد كميات الوقود اللازمة لتشغيل المولدات الكهربائية التي تزود محطات الشبكة، في ظل انقطاع التيار الكهربائي منذ اليوم الأول للعدوان على القطاع".
لكن قبل هذا الإعلان من قبل الوزير عمد الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان إلى قطع الاتصالات والإنترنت عن غزة، تارة بشكل كلي فيعزل القطاع عن باقي العالم لساعات طويلة، وتارة أخرى بشكل جزئي في بعض المناطق والأحياء، دوناً عن غيرها.
ورغم أن قطع الاتصالات جزء من الجرائم المتراكمة التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أن السيطرة الإسرائيلية على هذا القطاع، تعود إلى ثلاثة عقود ماضية، وتحديداً إلى تفاصيل "الاتفاق الانتقالي بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة" (1995) ــ اللاحق باتفاقية أوسلو (1993) ــ الذي رسم في ملحقه الثالث تحديداً أطر انتشار قطاع الاتصالات والإنترنت في فلسطين (تحديداً الملحق الثالث منه).
لم يبدُ إعلان الوزير مفاجئاً، بل نتيجة متوقعة لتراكم الجرائم الإسرائيلية في القطاع. ففي 9 أكتوبر دمّر الطيران الحربي الإسرائيلي مقرّ الشركة و86 برجاً تابعاً لها في سلسلة غارات جويّة استهدفت حيّ الرمال وسط غزة. قيدّت هذه الغارات الوصول إلى شبكات الإنترنت والاتصالات، ما أدّى إلى توقّف بعض الخدمات بالكامل في بعض المناطق، وفقاً لـ"منصة كشف وتحليل انقطاع الإنترنت" (IODA). لكن انقطاع الإنترنت ليس نتيجة تدمير البنى التحتية حصراً، بل إن ارتباط هذه الشبكة، بمزود الاتصالات الحكومي الإسرائيلي، يجعل من العملية أكثر تعقيداً.
كيف يصل الإنترنت إلى غزة؟
حصلت شركة الاتصالات الفلسطينية "بالتل" على امتياز تقديم خدمة الإنترنت للفلسطينيين، وبحسب ما يشرح إبراهيم الحاج في مقال على موقع مركز صدى سوشال، فإن الشركة "أُجبرت على بناء خدماتها للجمهور الفلسطيني من خلال تأسيس بنية تحتية مستندة على الشركات الاسرائيلية، حيث فُرض عليها التعامل مع شركة بتسيك – Bezeq وهي مزود الاتصالات الحكومي في إسرائيل". كذلك، لا تمتلك السلطة الفلسطينية أو الشركات المخصصة بتزويد الفلسطينيين بالاتصالات والإنترنت أي نقاط تزويد من الكابلات البحرية، "حيث لا سلطة لها على الساحل البحري الفلسطيني المحتل، باستثناء غزة، والتي أيضاً تفتقر لسلطتها على مياهها الإقليمية" يشرح الحاج في مقاله. ونتيجة لهذا الواقع يقتصر وجود نقاط التزويد البحرية في كل من تل أبيب وحيفا في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، ما يجعل إسرائيل هي المزود الحقيقي للإنترنت للفلسطينيين.
اليوم، يحصل سكان غزة على الإنترنت من أربع شركات عاملة في القطاع (بالتل، ومدى، وفيوجن، وديجيتال كوميونيكيشن) وجميعها تحصل على هذه الخدمة من خلال الشركات الإسرائيلية، بشكل خاص "بتسيك" التي "تنسق آليات العمل المشترك في ما بينها، وصياغة خطط تزويد الفلسطينيين بالإنترنت بتنسيق ومراجعة من الجيش الإسرائيلي لهذه العملية برمتها، أي أنّ عملية تدفق الإنترنت للأراضي الفلسطينية هي جزء من العمليات العسكرية اليومية لجيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية مثلها مثل الاعتقالات والاقتحامات اليومية والتوسع الاستيطاني، وهي تخضع للرقابة والتدقيق وجمع المعلومات بالتأكيد والتجسس"، وفق ما يشرح الحاج.
واقع الإنترنت في غزة قبل العدوان
في الفترة التي سبقت هذه الحرب، اعتمد الغزيون على شبكات الواي فاي، وشبكة الجيل الثاني. في حديثٍ مع منظمة سمكس التي تعمل على تعزيز الحقوق الرقمية في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا (مقرها بيروت)، يقول مستشار جمعية مجتمع الإنترنت في الشرق الأوسط حنّا قريطم إنّ "الإنترنت عبر الهاتف المحمول غير موجود تقريباً ضمن خدمات الشبكات الفلسطينيّة في غزّة، إذ يُمنع العمل بغير تقنيّة شبكات الجيل الثاني للاتصالات (2G)، ولا تتوفّر شبكات الجيل الثالث (3G) إلا في مناطق الضفة الغربيّة. بحسب قريطم، كان السكان قادرين على الوصول إلى الإنترنت عبر ميزة (تجوال البيانات) (Data roaming) وإيصالها بالشبكات الإسرائيليّة تحديداً، باستخدام شريحة الاتصال (Sim cards) مثل "إي سيم" (eSIM)، وهي عبارة عن شريحة رقمية قياسية لا تحتاج لاستخدام شريحة فعلية.
علماً أن شركة الاتصالات الفلسطينية سعت في السنوات السابقة لاستقدام معدات وأجهزة لغزة بقصد تشغيل خدمة الجيل الثالث إلا أن الاحتلال منع دخولها.
حوادث سابقة
منذ بدء العدوان، يبدو موضوع الاتصالات وحرية الوصول إلى الإنترنت أساسياً في غزة، لكن التضييق الإسرائيلي ليس وليد هذا العدوان:
- في أغسطس/آب 2011 قطعت جرافات اسرائيلية أسلاكاً على عمق 8 – 20 مترا تحت الأرض قرب منطقة ناحل عوز، تعمل على تزويد أبراج البث في قطاع غزة، ما اضطر "بالتل" إلى تدبير تنسيق أمني لإصلاح هذه الأعطال، والتي تعامل معها الاحتلال بشكل أمني عدا عن نفيه مسؤوليته عن قطعها، وفق ما يوضح الحاج في مقاله.
- قبل الاجتياح البري للقطاع (2008 ــ 2009) قطع الاحتلال الإنترنت عن مناطق كاملة في القطاع بهدف عزلها
- في عدوان 2014 قطع الإنترنت عن منطقة الشجاعية في شرق غزة، وعن شرق رفح.
منطق أمني وعسكري
يتعامل الاحتلال مع حق الغزيين بالوصول إلى الإنترنت كقضية أمنية ذات أولوية عالية. لنأخذ على سبيل المثال أعمال تمديد كابلات إنترنت عالي السرعة على حدود قطاع غزة عام 2012. شارك جنود من كتيبة المشاة في جيش الاحتلال في هذه العملية، وقال الرائد آدم أفيدان وقتها "نعامل العملية برمتها وتشغيلها كعملية عسكرية"، بحسب ما نقلت وقتها الصحيفة الأسبوعية The Jewish Chronicle. التقرير المنشور على موقع صدى سوشال، يشير كذلك إلى إقالة الاحتلال 43 جندياً بعد عدوان 2014 على القطاع إثر رفضهم المشاركة في أعمال تنصت تستهدف الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لأغراض لا تندرج ضمن ما يسمى "الدفاع عن النفس"، ووقع هؤلاء على رسالة نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية وقتها.
العوائق اللوجستية
لوجستياً يفرض الاحتلال كذلك شروطاً على دخول المعدات إلى القطاع، لإجراء عمليات الصيانة وتطوير الشبكة، وسبق أن أتلف أجزاء من البنية التحتية ومقاسم توزيع خدمات الاتصالات والإنترنت خلال السنوات الماضية، خصوصاً خلال عدوان 2014 و2021. ونظراً إلى أن قطاع الاتصالات يتطوّر بشكل دائم، باتت هذه الخدمات في غزة متأخرة بشكل كبير. ومع العدوان الحالي، وتدمير البننى التحتية المتبقية، يفقد هذا القطاع أي إمكانية لتقديم خدماته، أو تأمين حاجة الغزيين الحقيقة للإنترنت.