فيما يمثل الناشر والسياسي هشام قاسم أمام المحكمة، بتهمة سب وقذف الوزير السابق كمال أبو عيطة، تدور اتهامات من نوع آخر على صفحات التواصل الاجتماعي بين سياسيين وصحافيين. سبب الاتهامات، شهادة الصحافي في جريدة البديل (متوقفة عن الصدور) مصطفى السعيد بأن المدير المالي السابق للجريدة إلهامي ميرغني، ذكر في لقاء خاص مع شهود على قيد الحياة بأن هشام قاسم قدم عرضاً لتمويل الجريدة.
ذكر السعيد عدداً من الأسماء التي حضرت الواقعة، ومنها رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مدحت الزاهد، وكذلك نقيب الصحافيين خالد البلشي، فضلاً عن إلهامي ميرغني نفسه.
الشهود الثلاثة نفوا الواقعة في بيان مشترك نشروه على صفحاتهم على "فيسبوك"، غير أن ذلك لم ينه المعركة المحتدمة، إذ دخل على الخط عضو مجلس إدارة "البديل" سيد كراوية، مهاجماً من وصفه بـ"البعثي الكاذب" (السعيد).
ونكأت تلك الملاسنات جراحاً قديمة حول اتهامات بتلقي الصحف المصرية لتمويلات خارجية من دول أو منظمات، كان أبرزها ما نشره الكاتب الصحافي فهمي هويدي منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، حول وجود تمويل أميركي لعدد من الصحف التي تتبنى القيم الأميركية وتنشرها في مصر، وذكر بالاسم عدداً من الصحف والشخصيات، كان منها صحف المصري اليوم، والبديل ونهضة مصر.
المثير أن الكاتب الصحافي اليساري الراحل سعد هجرس، ذكر في وقت سابق أن وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول كان يقف وراء تمويل عدد من الصحف. وسبق أن استلم هجرس إدارة تحرير جريدة "العالم اليوم"، الشقيقة الكبرى لجريدة "نهضة مصر" الواقعة في نفس مبناها، ويرأس إدارة وتحرير الاثنتين الكاتب عماد الدين أديب.
نعود إلى رواية السعيد، الذي قال إن هشام قاسم افتتح مكتباً قريباً من جريدة البديل، ليكون قريباً منها، وكان في الوقت نفسه يشغل منصب مدير عام "المصري اليوم"، أو ناشرها وفق التصنيف المثبت على الترويسة وقتها.
في هذا الإطار، لفت ناشطون وصحافيون بطريقة غير مباشرة إلى أن صحفاً مصرية عدة، حزبية وخاصة، يمينية ويسارية وناصرية كانت تتلقى تمويلاً من دول عربية، إما من المملكة العربية السعودية، أو من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، أو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، أو من حزب البعث السوري.
وأشار الحقوقي جمال عيد (عمل صحافياً في التسعينيات) في تغريدة له على موقع تويتر إلى أنه عمل في جريدة الأسبوع لصاحبها وناشرها مصطفى بكري، وأن هذا الأخير وضع في مدخل الصحيفة مكتباً خاصاً بمشروع القذافي "الفكري" وكتابه الأخضر بعنوان مركز دراسات الكتاب الأخضر.
إذاً فتح السعيد بتصريحه الباب واسعاً أمام الكشف لأول مرة بشكل واضح عن ارتباطات الصحف بممولين عرب وأجانب. لكن رواية السعيد لم تقف هنا، بل توسعت هوامشها لتصبح أكثر شخصية، خصوصاً بعد نفي الشهود لما قاله. هكذا تحوّلت القضية إلى تبادل الشتائم والهجوم بين عضو مجلس إدارة جريدة البديل السابق، سيد كراوية: اتهم كراوية السعيد بأنه يحصل على أموال من حزب البعث السوري، وردّ سعيد باتهامه بأن "مقاول تطبيع يدافع عن صديقه وولي نعمته قاسم".
وبينما تعلو الأصوات المطالبة بإطلاق سراح هشام قاسم، رفع السعيد سقف الاتهامات الموجهة إليه، قائلاً إنه "ليس صحيحاً أن هشام قاسم قدم خدمات لجريدة البديل من باب الإنسانية، على حد زعم أحد أعضاء مجلس الإدارة السابق، فهناك عشرات الصحف التي كانت أحوج لأي مساعدة، ولماذا يقدم هشام قاسم مساعدة لجريدة يسارية، وهو الكاره لكل يسار حقيقي، ويتبنى التطبيع، وبيع القطاع العام بسرعة، وكل ما يرسخ التبعية للأميركي، ولهذا استحق تكريم جورج بوش قاتل أكثر من مليون عراقي، ولقاءاته بقادة أجهزة المخابرات الإسرائيلية".
ومضى متسائلاً بمنشوره على "فيسبوك": "ثم ما هي القدرات التي يتمتع بها هشام قاسم في الصحافة، وأي نوع من المساعدة يقدم؟ ولماذا؟ كنت أشغل مدير تحرير الجريدة عندما أطلعني المدير المالي والإداري على تلقي شيك موقع من هشام قاسم، وكان قد أعد مكتباً فخماً له قرب الجريدة لكي يتابع مساعدتها، قيل إنه سيساعد في التسويق، ورأيت أن هذه الخطوة المريبة نوع من التمويل الأجنبي الذي كان شرطي للعمل بالجريدة عدم وجود تمويل أجنبي".
ويذكر أن محاكمة قاسم مستمرة، وقد أعلن إضرابه عن الطعام فيما افتتحت السبت الماضي محاكمته في قضية يصفها أنصاره بأنها "سياسية" قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية. ومثل هشام قاسم أول من أمس أمام محكمة أرجأت النظر في القضية إلى التاسع من سبتمبر/أيلول الحالي.