قضايا "قيد الانتظار"

17 مايو 2023
المسرحية من تمثيل شذى ياسين ومنذر بنورة (العربي الجديد)
+ الخط -

"قيد الانتظار" عمل مسرحي احتضنته، أخيراً، قاعة مسرح عشتار في مدينة رام الله، بعرضين يفصل بينهما يومان.

المسرحية مأخوذة عن نص لغسّان ندّاف كان حاز المركز الثالث في مسابقة التأليف المسرحي للهيئة العربية للمسرح، ويعالج العديد من القضايا النسوية والمجتمعية، من خلال تلك العلاقة ما بين صوفي أو صفاء، أرملة أحد المتنفذين الطغاة، والشاب نبيه، الدائن لزوجها الذي تبيّن بعد رحيله أنه مُفلس، ليتفق أو لا يتفق الاثنان على انتظار زبون من المُقرر أن يشتري منزل الأرملة الشابة، ليحلّ مشاكلها، ومنها بينها تسديد ديونه التي لم تكن في حسبانها.

يمكث الاثنان معاً، في رحلات ذهاب وإياب إلى منزل صوفي (شذى ياسين)، حيث كان يتردد نبيه (منذر بنّورة)، على الدوام بناء على طلبها، هي الباحثة عن الكثير ممّا ينقصها من حب وعقل مستنير لا يتعامل معها كجسد، والمتذمرة من ذكورية مجتمع تمارس فيه النساء أحياناً سطوتهن في إطارها، باعتبارهن تحولن إلى متاريس في هذه الماكينة التي هرستهن، بشكل أو بآخر، ما يجعلها مرتبكة على الدوام، متوترة، وغير قادرة على اتخاذ أي قرار.

أما نبيه الذي كان جلّ هدفه أن يسلّمها الشيكات التي بحوزته، وتحمل اسمها وتوقيعها، وكان زوجها الراحل سلّمه إياها عوضاً عن مبلغ مالي استدانه، فتسلمه المبلغ المطلوب، بات يهدف إلى إيجاد طريقة لفك طلاسم خرائطها الداخلية نفسياً، والخارجية جسداً، وكسر جمودها.

وبعد أن يقع في حبّها، يسعى نبيه إلى مشاركة صوفي عوالمها، وأن يتواءم مع تقلباتها التي قد تفوق قدرة أي ذكر على الاحتمال، هي التي لطالما كانت تبحث عمّن يعيد إليها الثقة في رجل لا ذكر فحسب، يمكنها أن تمنحه نفسها، ويكملان مشوار حياتهما معاً.

تألقت شذى ياسين بتجسيد دور صوفي المركّب والجريء والصادم أحياناً، ويجمع في طياته أبعاداً نفسية عميقة، وشيئاً من الفكر، وليس قليلاً من الفلسفة، وبما يبقى على تماس مع عوالم الروايات التي باتت شخوصها هي من تبوح لهم ويبوحون لها، وهذا التألق هو ما ينطبق على منذر بنّورة في دور نبيه.
وبموازاة جرأة النص وأطروحاته المهمة، يجد المتلقي نفسه أمام مخرج استطاع امتلاك أدواته جيداً، وهو ما فعله بتمكّن خليل البطران، المشرف على السينوغرافيا التي كانت من عناصر نجاح العمل أيضاً، مع الإشارة إلى أهمية ما قدّمه عصام رشماوي في تصميم الإضاءة والصوت وتنفيذ الديكور البسيط والمعبّر، وصفيّة جاد الله في تصميم الملابس على تنوّعها، وبقية فريق العمل.

وفي كل تفصيلة حوارية ما بين صوفي ونبيه، ثمة كثير من القضايا المطروحة بجرأة، قد تكون غير مسبوقة، كالتحرش، حتى في إطار الزوجية، والحب، وتحويل المجتمعات لما هو طبيعي إلى تابوهات لا يجوز الحديث عنها، كالدورة الشهرية، وما يرافقها من أدوات تبدو كوصمة عار مثل الفوط النسائية مثلاً، وطبيعة العلاقة ما بين أنثى وذكر، وفكرة اقتحام المساحات الخاصة للأفراد من أفراد أو مجتمع ضيّق أو أكثر اتساعاً، في عمل لم يخل من بعض الإسقاطات السياسية.

مزجت "قيد الانتظار" ما بين الدراما والكوميديا، فتم توظيف كل منهما في مكانه. فيما كان لتوظيف قدرات كل من ياسين وبنّورة في الاستعراض مُوفقاً لخدمة العمل ورسائله.

وحول "قيد الانتظار"، أشار المؤلف غسّان نداف في حديث لـ"العربي الجديد": "من المهم برأيي التطرق لما هو مسكوت عنه في يوميّاتنا، وفي علاقتنا التي نعيشها بما فيها من أزمات العلاقة بين الذكر والأنثى، والحب، والقلق داخل العلاقات، عبر حكاية أرملة تنتظر أن تخرج من منزلها لتبدأ حياة جديدة، خاصة أن سؤال المسرح هو سؤال العدالة بالأساس".

المساهمون