تشير كلمة بوليوود إلى صناعة الأفلام الهندية، وهي بالطبع من البديهيات، ولكن قد لا يعرف أغلبنا ماذا تعني توليوود، أو موليوود، أو حتى كوليوود. تعبر هذه الأسماء في حقيقة الأمر عن صناعة السينما الهندية واسعة الانتشار، وما هي سوى مصطلحات مختلفة تعكس كل منها أحد أقطاب الإنتاج السينمائي المتنوعة داخل الهند.
يعبر مصطلح كوليوود مثلاً إلى الأفلام الهندية الناطقة باللغة التاميلية، أما كلمة توليوود فتطلق على السينما الهندية الناطقة بلغة التيلغو. وكلمة بوليوود نفسها تشير إلى السينما التجارية التي تنتج في استوديوهات مومباي، ولأنها تمثل الإنتاج الأكثر رواجاً وانتشاراً؛ فتستخدم الكلمة للإشارة إلى السينما الهندية بشكل عام.
يوضّح هذا التعدد مدى التنوع الذي يتسم به الإنتاج السينمائي في الهند، وهي أكبر مركز لصناعة السينما في العالم، إذ تقدم سنوياً أكثر من 2000 فيلم يترجم أغلبها إلى نحو 20 لغة. هذه التفاصيل وغيرها من الحقائق المتعلقة بصناعة السينما الهندية يمكن التعرف عليها في معرض "نجوم بوليوود... قصة السينما الهندية"، الذي يستضيفه حالياً متحف كيه برانلي- جاك شيراك في باريس حتى منتصف يناير/ كانون الثاني المقبل.
يتتبع هذا المعرض حكاية السينما الهندية منذ بدايتها، ويسلط الضوء على هذه الصناعة ونجومها وأهم المحطات في مسيرتها الطويلة، التي تمتد لأكثر من قرن. يجمع العرض بين مشاهد الأفلام والملصقات والرسوم والصور التاريخية، في سينوغرافيا غامرة ترسم ملامح قريبة لهذه الصناعة.
يبدأ المعرض بتسليط الضوء على العلاقة المبكرة التي جمعت صناعة السينما في سنواتها الأولى بفنون الآداء الشعبية، كمسرح خيال الظل والفوانيس السحرية، وفن الحكي. ويبرز كيف احتلت السينما في سنواتها الأولى، عبر العروض المتنقلة، نفس المكانة التي كان يحتلها رواة القصص المتجولون. فقد أعادت التجارب الأولى للسينما الهندية سرد الحكايات الأسطورية نفسها بأسلوب مختلف، وأخرجت الآلهة الهندية عن صمتها داخل المعابد ليراها الناس عن قرب في القرى والأقاليم البعيدة.
تعرفت الهند إلى السينما لأول مرة عام 1896، بعد أقل من عام على العرض الأول للأخوين لوميير في باريس.
يُبرز المعرض كيف تطورت هذه الصناعة بسرعة داخل الهند، واستطاعت خلال سنوات قليلة حشد جمهور واسع من الهنود، على الرغم من الاختلافات اللغوية والدينية، وذلك اعتماداً على الأساطير وقصص الملوك والتواريخ القديمة.
السينما الهندية تجمع كل أطياف الشعب
كانت الهند في بداية القرن الماضي مستعمرة بريطانية مقسمة حسب اللغات والهويات الإقليمية والأديان. وفي بداية نشوء هذه الصناعة، حرص أصحابها على مخاطبة كافة أطياف الشعب الهندي، والوصول إلى السوق الهندية الواسعة.
وقد مثلت الأساطير القديمة حلاً مناسباً لمواجهة هذا التحدي، إذ نقب صناع السينما في تاريخ الهند وبحثوا عن صيغ مشتركة تجمع كل أطياف الشعب الهندي، فمثلت هذه الصناعة إحدى الوسائل المهمة في تشكيل وعي جماعي مشترك في مواجهة الاستعمار البريطاني.
تأتي الموسيقى والغناء من بين أهم السمات الجمالية التي تميز السينما الهندية، وهي سمة تتسق مع الميل الهندي للمزج بين الفنون المختلفة، وتعد كذلك إحدى السمات الثقافية المشتركة بين جميع القوميات. لهذا، أفردت صالة عرض كاملة لاستعراض تصاميم الرقصات المحلية التقليدية التي أعادت السينما الهندية تكييفها في صيغ متعددة.
وتشمل المعروضات أعمالاً فنية عالية الجودة تصاحب لقطات الأفلام المعروضة، كما تشمل عرضاً تفاعلياً للفانوس السحري، وهي تقنية قديمة كانت تستخدم للتلاعب بالصور.
ويضم المعرض أيضاً مجموعة نادرة من نماذج الطباعة الحجرية، واللوحات المطبوعة التي تصور الرموز الهندية التقليدية والملاحم الهندوسية. حيث توضح هذه النماذج واللوحات مراحل الانتقال من الرسوم الجامدة إلى الصور المتحركة.
ساهمت الأفلام التاريخية في نجاح السينما الهندية، ومثلت عاملاً مهماً في انتشارها، إذ فتن الناس بالمشاهد الأسطورية التي كانوا يطالعونها عبر الصور والرسوم في الكتب أو على جدران المعابد. ومع انتشار السينما، استطاع الملايين من الهنود رؤية هذه الصور وهي تتجسد أمام أعينهم لأول مرة. وعبر الشاشات السينمائية المتنقلة بين القرى، تعرف الهنود إلى ملوك العصر الذهبي للهند، وقصورهم المليئة بالمنحوتات والمجوهرات والأزياء المبهرة.
يضم المعرض نماذج من هذه العناصر التي وُظّفت في هذه الأفلام المُبكرة، كالتيجان المرصعة بالجواهر والأعمدة المذهبة والملابس المطرزة والفاخرة.
فيلم "شولاي"
في جانب منه، يسلط المعرض الضوء على سبعينيات القرن الماضي، وظهور أول الأفلام الكبرى الناجحة في بوليوود من بينها فيلم "شولاي" (Sholay) للمخرج راميش سيبي. وهو عملٌ كلاسيكي من إنتاج عام 1975، ويعتبر أحد أوائل الأفلام من نوعية "ماسالا".
و"ماسالا"، تعبير يشير إلى مزيج التوابل وتوازن النكهات المستخدمة في الطهي. تقدم هذه النوعية من الأفلام تجربة مكثفة للمشاهد، إذ تجمع بين مزيج من الأنواع السينمائية المختلفة كالحركة والدراما والرومانسية.
في هذا الفيلم، يظهر لأول مرة النجم أميتاب باتشان في أحد الأدوار الذي جعله واحداً من أهم النجوم في تاريخ السينما الهندية. يُذكر أن الفيلم نفسه ظل يُعرض في دور السينما داخل الهند لما يقرب من أربعين عاماً.