استمع إلى الملخص
- السلطات الإسرائيلية منعت عرض الفيلم في يافا، معتبرةً أنه يشوه الواقع ويثير التوترات، خاصةً بعد تناوله لمذبحة اللد 1948، مما يعكس سياسة التضييق على الأنشطة الثقافية الفلسطينية.
- هذه الحادثة تتبع نمطًا من التضييق على المحتوى الثقافي الفلسطيني، حيث امتد تأثيرها إلى مؤسسات ثقافية في الولايات المتحدة وأوروبا التي بدأت بتبني سياسات رقابية مشابهة.
"في الماضي كنتُ جميلة وشهيرة جداً، وكان يأتي إليّ الناس من كل أنحاء العالم لزيارتي". هذا ما يقوله صوت أنثوي في بداية فيلم "اللد" (Lyd) للمخرجين رامي يونس وسارة إيما فريدلاند. في هذا العمل، تروي المدينة الفلسطينية العريقة حكايتها الضاربة في أعماق التاريخ، كونها مدينة حيوية كانت تربط فلسطين بالعالم ذات يوم، وكيف انتهى تاريخها المزدهر بالاحتلال الإسرائيلي بعد نكبة عام 1948. اليوم، تضم المدينة عدداً قليلاً من الفلسطينيين الذين يواجهون معاملة تمييزية وعنفاً يومياً يمارسه المستوطنون المتطرفون. في الفيلم الذي أنتج عام 2023، نرى واقعاً بديلاً مُتخيلاً لم يحدث فيه هذا الاحتلال ولم ينشأ الكيان الإسرائيلي. في هذا الواقع الموازي، يعيش المسيحيون واليهود والمسلمون والدروز بحرية ومساواة.
لكن يبدو أن هذا الواقع الخيالي الذي تَصوّره صُنّاع فيلم "اللد" لم يرُق لسلطات الاحتلال الإسرائيلي التي منعت عرض "اللد" في سينما السرايا في يافا. جاء هذا المنع في أعقاب قرار وقّعه وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي ميكي زوهار، زعم فيه أن الفيلم يقدّم "صورة مشوهة للواقع" من شأنها أن تثير الاضطرابات والتوترات في المدن التي يقطنها عرب ويهود. من بين المسوغات التي ساقها القرار الإسرائيلي، تطرق الفيلم إلى المذبحة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية بحق سكان اللد عام 1948، ووصفها وزير الثقافة بأنها محض ادعاءات كاذبة. يتضمن "اللد" روايات لأشخاص فلسطينيين عاصروا هذه المذبحة، كما يتضمن شهادات أرشيفية مصورة لجنود إسرائيليين يعترفون بارتكابها.
فيلم "اللد" هو عمل وثائقي من إنتاج الفنان البريطاني روجر ووترز الذي شارك في تأسيس فرقة الروك الإنكليزية "بينك فلويد"، وهو من أبرز الوجوه البريطانية المناصرة للقضية الفلسطينية. يعتمد "اللد" على الخيال في سرده المتعلق بالمدينة الفلسطينية العريقة، التي يعود تاريخها إلى ثمانية آلاف عام.
شارك في إخراج الفيلم رامي يونس، وهو صحافي فلسطيني من مدينة اللد، وسارة إيما فريدلاند، وهي فنانة وإعلامية ومعلمة يهودية أميركية. تجمع أحداث الفيلم بين الماضي والحاضر والمستقبل المتخيل. يحتوي العمل على لقطات أرشيفية نادرة لمشاهد تهجير سكان المدينة، ومقابلات مع سكانها الفلسطينيين الحاليين. يجمع فيلم "اللد" كذلك بين المشاهد الحقيقية والرسوم المتحركة التي تصور واقعاً خيالياً يستكشف مستقبل المدينة من دون الاحتلال الإسرائيلي.
كان لافتاً أن القرار الذي أصدرته وزارة الثقافة الإسرائيلية بمنع عرض الفيلم لم يذكر المخرجة الأميركية سارة فريدلاند، لكنه وصف رامي يونس بأنه ناشط مناهض لإسرائيل، كما وصف روجر ووترز بأنه أحد أقطاب حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل. صدر أمر المنع قبل يوم من العرض، بحسب تصريح محمود أبو عريشة، مدير سينما السرايا، غير أن الشرطة الإسرائيلية لم تبلغ إدارة السينما إلا قبل أربع ساعات فقط من بدء العرض. تضمن القرار الذي تسلمته إدارة السينما تحذيراً شديد اللهجة يُفيد بأن متابعة العرض ستعتبر جريمة جنائية. كما ذكّر القرار بأن القانون الإسرائيلي يحتم على أي مؤسسة تعرض فيلماً الحصول على موافقة من مجلس مراجعة الأفلام الإسرائيلي في وزارة الثقافة.
في مساء اليوم نفسه، استدعت الشرطة الإسرائيلية مدير سينما السرايا محمود أبو عريشة، وطلبت منه تقديم برامج العروض لديه مستقبلاً إلى مجلس مراجعة الأفلام والمسرح للموافقة عليها. مجلس مراجعة الأفلام والمسرح الإسرائيلي هو جهة أُنشئت بموجب مرسوم صدر في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1927 أثناء الحكم البريطاني، ويستخدم الآن لمنع الأفلام الفلسطينية ذات السرد المناهض لإسرائيل.
في أوائل عام 2023، بعد أن عيّنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تعهد وزير الثقافة الإسرائيلي، ميكي زوهار، بحجب التمويل الحكومي عن الأفراد والمؤسسات والأماكن التي تروّج للفن الذي يشوه سمعة إسرائيل، كما يقول.
هذه هي المرة الثانية في أقل من شهرين التي تمنع فيها سلطات الاحتلال الإسرائيلية عرض فيلم فلسطيني في سينما السرايا بدعوى التحريض أو زعزعة الأمن. في أغسطس/آب الماضي منعت الشرطة الإسرائيلية عرض فيلم المخرج الفلسطيني محمد بكري "جنين، جنين 2" (2023)، الذي يوثق لهجوم عسكري إسرائيلي استمر يومين على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة.
بخلاف هذين الفيلمين، فإن هذه القرارات التعسفية من الأمور المعتادة التي تلجأ إليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي للتضييق على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، باستهداف أنشطتهم الثقافية. لكن يبدو أن التضييق على المحتوى الفلسطيني بات يتجاوز اليوم الحدود الإسرائيلية، فمنذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لجأ عدد من المؤسسات الثقافية في الولايات المتحدة وأوروبا إلى اتباع سياسات رقابية مُشابهة لما تفعله حكومة الاحتلال الإسرائيلي في الداخل الفلسطيني.