فن التمثيل المفترى عليه

14 ديسمبر 2022
اعتبر عمر الشريف أنّ الممثلين لا يستحقون أجورهم الضخمة (كيفن وينتر/ Getty)
+ الخط -

طالعتنا تصريحات من فنانين قديماً وحديثاً، على طرفي نقيض في تقييم مهنة التمثيل. كان عمر الشريف يرى أن الممثل ليس إلا مجرد بلياتشو يقول كلمتين ويستولى على جزء كبير من ميزانية الفيلم، بينما هناك من هم أحق منه. وقال آخرون إنّ التمثيل مهنة شاقة، وإنّ الممثّل يكدّ ويتعب أكثر من العاملين في باقي المهن، ولهذا فهو يستحق الحياة الرغدة والوضع الاجتماعي المميّز الذي يعيشه.

وفي الحقيقة وعلى وجه الدقة، ومع عميق احترامنا لكلا الطرفين، توصيف التمثيل غير دقيق، فمهنة التمثيل نوعية في المقام الأول، وإلّا فإذا افترضنا جدلاً أنّ ما قاله عمر الشريف صحيح، فيكون الرد: وأين الموهبة الإلهية التي ميّزت هذا الممثل بين أقرانه؟ هل تستطيع مثلاً استبعاد مارلون براندو من فيلم "العرّاب" والإتيان بأيّ بديل ليمثل هذا الدور الذي لا ينسى؟ المسألة ليس لها علاقة بالتعب والإجهاد، ولكن بالتميّز في المقام الأوّل.

هذه هي طبيعة المهنة وصعوبتها في الوقت نفسه، فالموهبة غير متوفرة في السواد الأعظم من الناس، ولكنها موجودة لدى أناس بدرجات متفاوتة، وتأتي هنا أهمية صقلها من خلال اتجاهات علم التمثيل ومدارسه حول العالم التي تغوص في أعقد العمليات العقلية والعصبية والنفسية، فهناك مدرسة الإيهام لكونستانتين ستانسلافسكي، المعني بكيفية التشكيل الداخلي حتى يصل إلى أقصى درجات الصدق.

موقف
التحديثات الحية

أصبحت هذه المدرسة إلهاماً لمدارس كثيرة حول العالم، فكانت ستيلا أدلر التي نقلت هذه التعاليم لنيويورك ونبغ عندها مارلون براندو، ثم ظهرت مدرسة لي ستراسبورغ وإليا كازان التي تخرجت منها أجيال لاحقة صارت من علامات السينما في هوليوود، مثل آل باتشينو وروبرت دي نيرو وجاك نيكلسون وداستين هوفمان وميريل ستريب، ومن قبلهم بول نيومان. 

وهناك نظرية المسرح الملحمي التي تقف على الجانب الآخر من نظرية ستانسلافسكي القائمة على الإيهام. كذلك منهج المسرح الفقير لغروتوفسكي في بولندا الذي ألهمت تعاليمه وتدريباته العالم واستطاعت مدارس التمثيل أن تنهل من تدريباته المهمة.

فهل بعد كلّ ذلك يأتي من يسفّه فن وعلم التمثيل بدعوى أنّه مهنة من لا مهنة له؟ وهذا قول يحمل الكثير من الافتراء والتجني. قديماً قالوا إن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب، وما يخرج من الحنجرة يذهب أدراج الرياح. وعليه فنحن من نفرض احترام وتقدير الغير لمهنة التمثيل، فإذا كان حقيقيا عاش في وجدان الناس وقلوبهم وعقولهم، وإن لم يكن كذلك فمصيره مزبلة التاريخ.

دلالات
المساهمون