لطالما شكلت جبال الأطلس، والقرى المنتشرة بين تضاريسها الوعرة، مصدر إلهام بصري للعديد من الفنانين المغاربة. يمكننا تبين المكانة التي تحتلها هذه المناطق في المخيلة البصرية للفنانين المغاربة، بدءاً من أولى التجارب الطليعية التي قادت الحركة الفنية المغربية، بعد حقبة الاستعمار وحتى اليوم. من بين أبرز هؤلاء الفنانين الذين تأثروا بالمشاهد الخلابة لجبال الأطلس، يأتي الفنان المغربي الراحل فريد بلكاهية (1934 – 2014) في بعض أعماله المبكرة.
لا يقتصر الأمر فقط على الفنانين المغاربة، فهناك عدد من الفنانين الأوروبيين الذين تأثروا بهذه المشاهد الجذابة لجبال الأطلس وسجلوها في أعمالهم. بين أهم هؤلاء الفنانين الأوروبيين الذين استلهموا جمال الطبيعة المغربية، يأتي الفنان الفرنسي يوجين فرومنتان (1820 – 1876)، الذي يحمل سجله مجموعة واسعة من الأعمال المستلهمة من المشاهد الخلابة لجبال الأطلس.
وقد لا يعرف كثيرون، أيضاً، أن ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، من بين أبرز الشخصيات التي تأثرت فنياً بالمشاهد الطبيعية لجبال الأطلس. كان تشرشل يمارس الرسم في أوقات فراغه، ومن بين لوحاته القليلة التي رسمها، واحدة بعنوان "جامع الكتبية"، وهو أحد المعالم الأثرية الشهيرة في مدينة مراكش، ويعود تاريخ بنائه إلى بداية القرن الثاني عشر. في هذه اللوحة، تظهر جبال الأطلس في خلفية المشهد بقممها المكسوة بالثلج، وتغطيها سماء صافية. رسم تشرشل هذه اللوحة عام 1943 أثناء حلوله في مراكش خلال زيارة إلى المغرب، للمشاركة في مؤتمر للحلفاء. هذه اللوحة بيعت، أخيراً، في إحدى صالات المزادات الشهيرة بقرابة تسعة ملايين دولار، وهو أعلى سعر وصل إليه عمل من أعمال تشرشل حتى الآن.
هذا المسجد نفسه الذي رسمه تشرشل في صدارة لوحته، ظهر في أحد مقاطع الفيديو التي صُورت أثناء الزلزال، بينما كانت مئذنته تتمايل وسط هلع وذعر الناس من حوله. تصدع مسجد الكتبية، كما تصدعت العديد من الآثار المغربية بسبب الزلزال، أما هذه القرى المنتشرة فوق جبال الأطلس الخلابة، والتي طالما ألهمت العشرات من الفنانين، فقد تهدم الكثير من بيوتها، وشُرد العشرات من أهلها. في تقريرها الأخير حول هذه الكارثة، توضح منظمة الصحة العالمية أن هناك أكثر من 300 ألف من سكان هذه القرى قد تضرروا من هذا الزلزال، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
أمام قسوة هذه الكارثة التي حلت بالتراث المغربي وسكان القرى النائية، كان من الطبيعي أن يبادر الفنانون المغاربة إلى المساهمة في التخفيف من آثارها. من هنا، ظهرت مبادرة "فنانون من أجل المغرب"، وهي واحدة من المبادرات التي أُطلقت أخيراً للمساعدة في إغاثة منكوبي الزلزال. "فنانون من أجل المغرب" هي مبادرة تضم 26 من الفنانين المغاربة الذين تبرعوا بمستنسخات من أعمالهم لصالح المؤسسات الخيرية الداعمة للمتضررين. تهدف المبادرة إلى جمع الأموال الضرورية لتقديم المساعدة الملحة للأسر المتضررة عن طريق بيع نماذج من الأعمال الفنية المُتبرع بها. أطلقت هذه المبادرة سميرة العروسي، رئيسة تحرير جريدة الشرق الأوسط المغربية، والمصور أنس عزيز، والمصمم إسماعيل العديوي. ومن الفنانين المشاركين فيها، شخصيات بارزة على الساحة الدولية، منهم حسن حجاج، ومريم بناني، وموسى المرابط، ومحمد كليطو. يشارك كل فنان من هؤلاء بأكثر من عمل، وتعرض الأعمال على منصة المبادرة على الإنترنت.
وبحسب البيان المنشور على المنصة، سيجري توجيه عائد هذه الأعمال إلى جمعيتين خيريتين تعملان على تخفيف المعاناة عن سكان المناطق المتضررة، وهما مركز "أمل" لتدريب النساء ومقره في مراكش، ومؤسسة "قبائل الريف"، وهي منظمة غير حكومية معنية بدعم العائلات غير القادرة اجتماعياً. تتضمن الأعمال المعروضة على المنصة وسائط متنوعة، بدءاً من الرسم والتصوير، إلى الفوتوغرافيا والتصميم والوسائط المختلطة، وتعرض بسعر موحد قدره 125 يورو.
لم تكن هذه هي المبادرة الوحيدة التي يساهم فيها الفنانون لمساعدة ضحايا الزلزال، فقد أطلق معرض الفن الأفريقي المعاصر في لندن مبادرة أخرى شارك فيها عدد كبير من الفنانين المغاربة والأجانب. يخطط المعرض للعمل مع منظمات الإغاثة لدعم إعادة إعمار القرى المتضررة على المدى الطويل، بحسب تصريح المديرة المؤسسة للمعرض ثريا الجلاوي. ومن المقرر أن تكرم نسخة هذا العام من معرض الفن الأفريقي المعاصر، الفنان المغربي أمين العتيبي، المقيم في مراكش.
بين المبادرات الأخرى التي تهدف إلى إغاثة المتضررين من الزلزال، تبرز مبادرة "يا المغرب"، وهي مبادرة موسيقية أطلقتها إحدى الفرق المتخصصة في الموسيقى الإلكترونية. تدعو "يا المغرب" منسقي الأغاني والمنتجين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم، إلى المساهمة في إنتاج مجموعة من الألبومات الموسيقية لمساعدة المتضررين من الزلزال. على أن تذهب كل إيرادات البث المباشر والمبيعات الرقمية الناتجة عن هذه الألبومات لمساعدة الضحايا. وقد انضم لهذه المبادرة الأخيرة عشرات من الموسيقيين المغاربة والأجانب، بينهم الموسيقي المغربي المقيم في هولندا، سفيان توزاني، وغيره من الموسيقيين المغاربة البارزين.