مثل نظرائهم في كثير من بلدان العالم، توجّه العديد من الفنانين الإيطاليين، خلال الفترة الماضية، إلى إطلاق المبادرات التضامنية مع فلسطينيي قطاع غزة محتجين على موقف حكومتهم من حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، متسقين مع حركة الشارع الإيطالي الذي شهد عدداً من التظاهرات التضامنية.
من هذه المبادرات، مسرحية قدمها المخرج والممثل ماوريتسو دي كابوانو في ذكرى المحرقة (الهولوكوست)، واصفاً إياهاً بأنها "عمل من أعمال الإدانة والمقاومة".
إحصاء الأرواح في غزة
قُدم العمل الفني الذي جاء تحت اسم "إنشالوم" على مسرح زونا تياترو نافيغانتي بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني. ويعود اسم المسرحية، بحسب ما صرح كابوانو، إلى مزج الكلمة العربية "إن شاء الله" والكلمة العبرية "شالوم" (سلام). تحكي المسرحية الإيطالية عن محطة حدودية خيالية لإحصاء الأرواح في قطاع غزة، ويقوم بذلك بطلا العمل ناصر الفلسطيني وشلومو الإسرائيلي.
وعن الدافع وراء طرح هذه القضية الشائكة، قال المخرج الإيطالي إنه رغب في تعميق الإحساس بالجانب الإنساني لها، معرباً عن أمله في أن يحرض العمل الفني الناس على تثقيف أنفسهم حول تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وذكر كابوانو أن فكرة مسرحيته جاءت من تكليف بمشروع تعليمي للمدارس، لكن رُفض لاحقاً بسبب الخلاف حول تعريف الضحايا الفلسطينيين بـ"الشهداء" واستعمال كلمة "مقاتل" بدلاً من "إرهابي".
رغم ذلك، وضح كابوانو أن مسرحيته لا تتحيز، قائلا إنها "تلتزم جانب الإنسانية، وهذا يعني بطبيعة الحال الوقوف إلى جانب المضطهدين، مع ذلك نؤكد أننا لسنا ضد الإسرائيليين، لكن ضد ما تفعله الحكومة الإسرائيلية بالفلسطينيين".
وتعليقاً على إطلاق العمل المسرحي في ذكرى الهولوكوست، قال أحد الممثلين في المسرحية، جوزيبي براندي، لقناة الجزيرة بالإنكليزية: "إذا كان علينا أن نتذكر ضحايا الإبادة الجماعية، فعلينا أن نفعل ذلك اليوم أكثر من أي يوم آخر".
وأضاف براندي: "في إيطاليا، يطلق على هذا اليوم اسم "يوم الذكرى"، وإذا نسينا ما حدث سابقاً، فكيف يمكننا تجنب ارتكاب نفس الأخطاء في الوقت الحاضر؟ لم تكن نيتنا إلغاء ما حدث في الماضي، بل وضع الأمر في نصابه الصحيح عبر مقارنته بما يحدث في غزة اليوم". وختم الممثل الإيطالي حديثه: "إنه عملنا الاحتجاجي كفنانين، أن ننحاز دوما إلى العدالة".
مناهضة بالقصص المصورة
مبادرة أخرى وصفت بأنها "أول مبادرة مناهضة للحرب في تاريخ القصص المصورة بإيطاليا"، أطلقتها الفنانة الإيطالية فرانشيسكا غيرماندي، إلى جانب فنانين آخرين، وذلك تضامناً مع فلسطين؛ إذ رُسمت 104 شخصيات كوميدية شهيرة من الخلف، بنفس الوقفة التي يقفها حنظلة، الشخصية الرمزية التي أبدعها الفنان الفلسطيني ناجي العلي.
كتبت غيرماندي في صفحتها الشخصية على "إنستغرام" في 2 ديسمبر/كانون الأول: "104 شخصيات كاريكاتيرية متحدة من أجل حنظلة للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار!".
هذا الفعل التضامني مع فلسطين في مجال فن الكاريكاتير، سبقته حادثة شهيرة، إذ قرر رسام الكاريكاتير المعروف زيرو كالكاري الانسحاب من حدث فني يعود لشركة Lucca Comics and Games بسبب رعاية السفارة الإسرائيلية.
وأعلن كالكاري عن ذلك عبر منشور، في أكتوبر/ تشرين الأول، على حسابه في "فيسبوك": "لسوء الحظ، فإن رعاية السفارة الإسرائيلية لشركة Lucca Comics تمثل مشكلة بالنسبة لي"، لينسحب من الحدث الأهم في صناعة القصص المصورة في إيطاليا، الذي أقيم في مدينة لوكا في الفترة من 1 إلى 5 نوفمبر.
وشرح الفنان الإيطالي لمتابعيه القرار بأنه "في هذه اللحظة، هناك مليونا شخص عالقون في غزة، لا يعرفون حتى ما إذا كانوا سيبقون على قيد الحياة في اليوم التالي أم لا".
وأضاف: "النساء والأطفال يبلغون حدهم من الإرهاق وهم في انتظار القصف التالي أو الغزو البري، بينما يصرخ السياسيون (الإيطاليون) على شاشات التلفزيون قائلين إنه لا يوجد مدنيون في غزة وإنها يجب أن تُدمر، وبالنسبة لي أن آتي وأحتفل في ظل كل ذلك، هو أمر لا أستطيع التعامل معه".
وفي الشهر الماضي، أطلق عدد من الفنانين الإيطاليين تحت مظلة "الفنون الإيطالية متحدة من أجل فلسطين" رسالة مفتوحة يعلنون عبرها تضامنهم مع غزة وإدانتهم للإبادة الجماعية التي ما زال جيش الاحتلال الإسرائيلي يرتكبها في القطاع.
وجاء في بيان الحركة: "إننا نعرب عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني ودعمنا لنضاله من أجل العدالة والتحرير وتقرير المصير، مع الاعتراف بأن إسرائيل تنكر حقه في الوجود".
اللامبالاة والتواطؤ
وأدان الفنانون الإيطاليون حكومتهم لامتناعها عن التصويت على قرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، لتُظهر الحكومة الإيطالية خلال ذلك "مزيجاً مثيراً للقلق من اللامبالاة والتواطؤ تجاه الإبادة الجماعية المستمرة، وتقف بذلك موقف المدافع غير المقبول عن سياسات إسرائيل العسكرية والاستعمارية".
وجاءت لهجة البيان حاسمة في ما يخص إدانته لجرائم جيش الاحتلال، حيث أقر الموقعون: "إننا ندرك أن المذبحة المستمرة ليست سوى أحدث مرحلة في استراتيجية أوسع للتطهير العرقي، روجت لها السياسات الصهيونية وطورتها على مدى 75 عامًا من الاحتلال الاستعماري، الذي حرم الشعب الفلسطيني من حقوقه في ظل نظام من الفصل العنصري الصريح".
وطالبت الحركة الفنية الإيطالية، عبر رسالتها المفتوحة، الأفراد والجمعيات والمشروعات المستقلة والمؤسسات الثقافية باتخاذ موقف علني مع وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، ودخول المساعدات الإنسانية، وإنهاء الحصار.
كما دعت الحركة إلى دعم مبادرات المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات على إسرائيل، إلى جانب العمل على مقاطعة الشركات والمنظمات "الداعمة لمشروعها الاستعماري، بما في ذلك المنظمات الثقافية".
ولم يغفل البيان إدانة المؤسسات الفنية الغربية ذات الطابع الرسمي، بعدما "تزايدت أمثلة الوصم والترهيب وإجراءات الرقابة ضد العاملين في المجال الثقافي والمنظمات التي أدانت الفظائع التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية".
شهدت الساحة الفنية الإيطالية عديداً من الفعاليات الأخرى المتضامنة مع الفلسطينيين في قطاع غزة، منها احتجاجات قام بها موسيقيون في دار أوبرا لاسكالا في مدينة ميلانو، أثناء أدائهم بروفات عيد الميلاد، معلنين رفضهم للمجازر التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية، ومطالبين بوقف الحرب على قطاع غزة، لتنتظم كل تلك الفعاليات ضمن سلسلة ما زالت ممتدة ضد جرائم الاحتلال الصهيوني أولاً، وضد تواطؤ الحكومة الإيطالية ثانياً.