فلسطين في السينما اللبنانية: الشخصية غائبة لكنّ الوثائقي وفيرٌ

11 يونيو 2021
الحرب اللبنانية: أين الشخصية الفلسطينية في سينماها؟ (فيليب بوفّون/ سيغما/ Getty)
+ الخط -

ركيزتان اثنتان تصنعان حضوراً فلسطينياً في السينما اللبنانية: التزامٌ ـ ثقافي أخلاقي إنساني ـ لسينمائيين عديدين بالمسألة الفلسطينية، وتدفّق أموالٍ فلسطينية، تُساهم في إنتاج أفلامٍ لبنانية عن فلسطين والفلسطينيين. اختزالٌ كهذا لن يحول دون التنبّه إلى عمق العلاقة بين فلسطين ولبنان، والتباساتها وتناقضاتها وصداماتها وأهوالها، وهذا كلّه معروفٌ، وبعضه موثّقٌ، بحثاً وتنقيباً وتحليلاً، في كتبٍ ودراسات واشتغالات، في شؤون الاجتماع والاقتصاد والثقافة والفنون والعلاقات والصحافة.

نكسة حرب الأيام الـ6 (1967) سببٌ إضافيّ لانشغالٍ لبناني بالهمّ الفلسطيني. غلبة الفلسطيني المُسلّح على السلطة اللبنانية (اتفاقية القاهرة، 1969) عاملٌ آخر لانشقاقٍ لبنانيّ داخلي، بين مُلتزم ورافض، ولمزيدٍ من اهتمامٍ، عقائديّ وثقافيّ وإنسانيّ، للملتزم بالموضوع الفلسطيني. هجرة القيادة الفلسطينية، وفدائيّيها وناسها ومؤسّساتها من الأردن إلى لبنان، بعد الحرب الأردنية عليها (سبتمبر/ أيلول 1970)، خطوة جديدة لتفعيل الالتزام، في مقابل مزيدٍ من التشدّد اليميني اللبناني ضد الوجود المسلّح، المحتوي ضمنياً على عنصريةٍ، ستتفاقم لاحقاً.

 

مسار العلاقة السينمائية

اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) يُبدِّل مسار العلاقة السينمائية. ارتباكات جمّة تحصل عشية اندلاعها بأعوامٍ عدّة، بالتزامن مع تأسيس مراكز ومؤسّسات فلسطينية مختلفة في لبنان، كـ"مؤسّسة الدراسات الفلسطينية" (1963) و"مركز الأبحاث" (1965) و"وكالة الأنباء الفلسطينية" (1972). هناك مجلات مموّلة من "منظّمة التحرير الفلسطينية" أيضاً. هذا جزءٌ من الحضور الفلسطيني في لبنان، بعيداً عن السلاح. الأرشيف البصري (تسجيلات وصُور فوتوغرافية وأشرطة وأفلام) يختفي من بيروت، بعد الاجتياح الإسرائيلي (1982)، فجيش الاحتلال مُصرٌّ على إخفاء كلّ الذاكرة الفلسطينية، بأي ثمنٍ.

السابق على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية مُحمَّل بكمٍّ من الأفلام التسجيلية، الغالبة على العمل السينمائي حينها. الانفعال، الذي يُمكن أن ينبثق من التزامٍ إيديولوجي وثقافي وأخلاقيّ حادّ، لن يكون أساسياً لوحده، رغم مساهمته في تفعيل الحضور الفلسطيني في السينما اللبنانية. كريستيان غازي سيكون أول مخرجٍ لبناني يُنجز فيلماً روائياً عن المسألة، بعنوان "فدائيّون" (1967)، غداة النكسة. "القدس" (إنتاج "جمعية الخامس من حزيران"، 1968)، لفلاديمير تماري (فنان تشكيلي فلسطيني لبناني)، سيكون أول تسجيليّ لبناني. في الوقت نفسه، يُنجز أنطوان ريمي "القدس في البال"، جامعاً فيه أغنياتٍ فيروزية عن المدينة المقدّسة، التي تظهر في "القدس" عبر صُورٍ تلتقط أمكنةً دينية وأثرية فيها، إلى لقطاتٍ عن خرابٍ يُسبّبه المحتلّ الإسرائيلي.

الالتزام عقائدي. بعض الاشتغالات حينها تجاريّ. يُجمِع نقّادٌ على أنّ أفلاماً عدّة، مُنجزة بعد "نكسة 67"، تتناول القضية بشكلٍ تجاري. استخدام التشويق والحركة غير مُوظّف في مواضيع عادية، إذْ يُفضِّل مخرجون عديدون وضع فلسطين في النواة الدرامية للحبكة، فهذا أفضل لهم ولأفلامهم، تجارياً. إضافة القضية الفلسطينية في أفلامٍ كهذه "مُربح مالياً"، يقول البعض. لكنّ الإضافة، كما يُشدِّد آخرون، غير مُسيئة إلى فلسطين والفلسطينيين، لأنّ مخرجي تلك الأفلام يبغون ربحاً مالياً لا إساءة أو تشويهاً. أفلامٌ مشغولة بـ"أسلوبٍ ساذج أو سطحي أو مُبسَّط أو انفعالي"، كما في قولٍ للناقد اللبناني وليد شميط (الصحيفة اليومية البيروتية "السفير"، 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009)، مُضيفاً أنّ الأهمّ من هذا كلّه كامنٌ في "أنّها غير مٌسبِّبةٍ ضرراً".

أنطوان ريمي، مُخرج غير ملتزم سياسياً. يُنجز "فداك يا فلسطين" (1970)، انطلاقاً من قناعةٍ، مفادها أنّ الفترة الممتدة بين نهاية ستينيات القرن الـ20 وبداية سبعينياته تشهد، بكثافة، موجةً سينمائية ترتكز على فلسطين، وإنْ يكن جزءٌ منها تجاريّاً. أفلام تلك المرحلة تفقد كلّ بُعدٍ نقدي أو سجالي أو تغييري، لكنّها "فترة مُربحة مالياً، ومُثيرة لحماسة الناس". هذا لن يُلغي مفهوم الالتزام الفعلي، المحرِّض على اشتغالاتٍ، تُصبح مرجعاً في السينما النضالية، رغم اهتمامها الوحيد بالمضمون. هذه أفلامٌ يُعنى مخرجوها بالتصوير لا بالسينما، أي بالتقاط اللحظة والذاكرة كمادةٍ، يُفترض بها أنْ تُشارك في المواجهة اليومية ضد المحتلّ وأشباهه، هنا وهناك. السينما غير أساسية، حينها. الموضوع أهمّ.

 

 

الانفعال وحده غير أساسيّ، أيضاً. الدليل على ذلك أنّ مخرجين لبنانيين عديدين يستمرّون في تحقيق أفلامٍ، مُنبثقةٍ من اهتمامٍ وموقفٍ وقناعة. السينما تبقى منحسرة لصالح هذا كلّه، لكنّ هذا كلّه مُهمّ وضروري، في لحظةٍ كتلك اللحظة، لأنّ الغليان طاغٍ، والصدامات تشتدّ، والصراع يقوى، والمجتمع اللبناني يزداد انقساماً، والحضور الفلسطيني يتفاعل، سلباً وإيجاباً، في شؤون كثيرة، والذاكرة تحتاج إلى أرشيفٍ يؤكّد حقّاً وتاريخاً وعيشاً. المسألة أبعد من انفعالٍ، كما يظهر لاحقاً. سينمائيون يُدافعون عن "السينما النضالية"، ويُنجزون أفلاماً منتمية إليها؛ وآخرون غير مُتوقّفين عن بلورة مشروع سينمائي يؤمنون به، شكلاً ومضموناً، فيبتكرون أشكالاً سينمائية لمضمون فلسطينيّ.

أبرز هؤلاء، برهان علوية. "كفر قاسم" (1975) يُقدِّم حكاية مجزرةٍ، يُنفّذها جنود إسرائيليون بحقّ أبناء قرية كفر قاسم، في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1956 (49 مدنياً، بينهم 23 مواطناً تحت سنّ الـ18). التقديم يرتكز على مزيجٍ واضحٍ من التوثيق والسرد الحكائيّ، أي بما يُعرف لاحقاً بـ"الدوكو دراما". الفيلم يستفزّ إسرائيل، الرافضة أنّ تُحمِّل جيشها مسؤولية المجزرة. الفيلم نفسه "يضغط" باتّجاه الاعتراف. هذا يحصل لاحقاً. كريستيان غازي يتورّط، أكثر فأكثر، في التزاماته الإيديولوجية، فيُنجز "مئة يوم لوجه واحد" (1972)، المنخرط أكثر في الهمّ اليساري اللبناني، وارتباطه بفلسطين. رضا ميسر، السوري العامل في لبنان، أحد أبرز مخرجي الأفلام التجارية، المصنوعة عن فلسطين: "الفلسطيني الثائر" (1969) و"الجنوبي الثائر" (1984): "لنا أنْ نتخيّل القيمة الحقيقية لمثل هذه الأفلام، ومدى استغلالها لشعبية القضية الفلسطينية، ثم لاحقاً لقضية الجنوب اللبناني، من أجل تحقيق أرباحٍ مالية" بحسب الناقد اللبناني إبراهيم العريس، الذي يُضيف أنّ تلك الأرباح المالية سيتبيّن لاحقاً أنّها "الغاية الأساسية من المشروع" ("مسيرة الفيلم اللبناني"، مجلة "أبواب"، العدد 10).

 

مشاركة لبنانية وتوجّهات فردية

في مقابل التجاريّ، يسعى قليلون إلى جدّيةٍ في التعاطي مع فلسطين. إلى غازي، هناك غاري غارابتيان، أحد أبرز هؤلاء "الجدّيين" في تلك الفترة. يُنجز "كلنا فدائيون" (1969). أثناء تصوير أحد مَشاهده الأخيرة، يحترق الملهى، ويُقتل في الحريق عددٌ من العاملين، مع غارابتيان نفسه.

 

 

السينما الفلسطينية، بحسب الناقد اللبناني محمد سويد، ليست مؤسّسة "وفق قواعد ثابتة". المشاركة اللبنانية فيها غير مستمرّة طويلاً، وغير متعمِّقة، "فكلّ مخرج يبحث أخيراً عن ذاته، وعن استقلاليته الإنتاجية في مشاريع تمسّ جوهر اهتماماته ورؤيته للسينما" ("السينما المؤجّلة، أفلام الحرب الأهلية اللبنانية"، "مؤسّسة الأبحاث العربية"، بيروت، الطبعة الأولى، 1986، ص. 57). هذا ينسحب على مخرجين لبنانيين، يُشكّلون ـ مطلع سبعينيات القرن الـ20 ـ "السينما البديلة". برهان علوية، وجان شمعون، ورندة الشهال، وجوسلين صعب، ومارون بغدادي وغيرهم، أبرز صانعي تلك السينما، إذْ يذهبون بها إلى وقائع العيش اليومي للبنانيين وفلسطينيين، انطلاقاً من ثقافةٍ يسارية. التداخل قويّ بين السؤال الفلسطيني والجنوب اللبناني. الإشارات الأولى له سابقةٌ على تلك الفترة. رضا ميسر ينتقل من الفلسطيني الثائر إلى الجنوبيّ الثائر.

هذا التداخل يؤدّي إلى أفلامٍ تُلغي كلّ حَدّ فاصل بين فلسطين والجنوب اللبناني، خصوصاً مع احتلال إسرائيل جزءاً منه، قبل 4 أعوام على اجتياحها بيروت (1982)، واحتلالها الجنوب لغاية عام 2000. لكنْ، عشية هذا، تُشكِّل الحرب مدخلاً إلى مقاربات وثائقية تسجيلية، لن "ينسحب" الفلسطينيون من اشتغالات سينمائية عنها: "طالما أنّ الصراع لبناني، فالأفضل أنْ يُعبِّر عن هذا الصراع لبنانيون. وطالما أنّنا متفاهمون ومتحالفون، كحركة ثورية، مع الفئات التقدمية والوطنية اللبنانية، فمن الأفضل أنْ نعطي الفرصة لهذه القوى للتعبير سينمائياً عن هذا الصراع"، كما يرى مصطفى أبو علي (مقالة له في كتاب "فلسطين في السينما" لوليد شميط وغي هنيبل، "دار فجر"، الطبعة الأولى، ص. 189). يشير أبو علي إلى أنّ التمويل الفلسطيني لأفلامٍ عن الحرب اللبنانية غير مُتوقّف، أقلّه في بداياتها.

في الحرب اللبنانية تلك، يستمرّ سينمائيو "السينما البديلة" في توثيق جوانب منها (الحرب)، تتعلّق باليسار والحركة الوطنية المتحالفة مع القوى الفلسطينية. لكنّ "الأهمّ في السينما اللبنانية"، كما يقول الناقد الفلسطيني الراحل بشّار إبراهيم ("السفير"، 14/ 11/ 2009)، كامنٌ في "مراجعات سينمائيين لبنانيين"، غير مُكتفين بالعمل مع سينما الثورة الفلسطينية، لانخراطهم "في صفوف الثورة ونضالاتها". يشير إلى إعادتهم "قراءة ما كانت عليه الثورة، وما كانوا هم عليه من أوهام أو أحلام". النموذج الأهمّ والأبرز لتلك المراجعات يتمثّل في فيلمين لمحمد سويد نفسه: "عندما يأتي المساء" (2000)، و"ما هتفت لغيرها" (2008).

 

الشخصية الفلسطينية

الغليان اللبناني من أجل فلسطين والفلسطينيين، في البيئة اليسارية، مكتفٍ بحركة نضالية، ترى في الفلسطيني بطلاً مُقاوماً، فتجعله قدّيساً. أشرطة تسجيلية كثيرة تهتمّ بأفرادٍ فلسطينيين، وفقاً للصورة المثالية. يمرّ وقتٌ طويل قبل أنْ يكسر الفلسطيني ميشال خليفي هذه الصورة، بإنجازه "عرس الجليل" (1987). هذا بحثٌ يحتاج إلى تعمّق في أحوالٍ كثيرة، لكنّ الملاحظة ضرورية، فالتقديس حاصلٌ، والاهتمام في مصائب الفلسطينيين كأفرادٍ مُشرّدين ولاجئين قليلٌ حينها، خصوصاً تلك التي يعانون آثارها في لبنان، معيشياً ويومياً واجتماعياً، بشكلٍ أساسيّ (73 مهنة ممنوع أنْ يُزاولها الفلسطينيون اللاجئون إلى لبنان. مخيّمات تنعدم فيها أبسط شروط الحياة، أبرزها مخيما عين الحلوة، وشاتيلا ـ صبرا، باستثناء مخيم ضبيه، المخصّص لفلسطينيين مسيحيين). اليسار اللبناني مُنهمكٌ في معارك ونزاعات، والتوثيق الذي يصنعه بعض السينمائيين المنتمين إليه ضروريّ، لكونه شهادات بصرية عن مرحلة وتاريخ وذاكرة وواقع. الهوس بصورة "الثائر القدّيس" منتشرٌ في أصقاع الدنيا حينها.

 

 

المأزق اللبناني كامنٌ في حيّز آخر. الفلسطيني المسلّح، تحديداً، عاملٌ أساسيّ في اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. لكنّ الأفلام الروائية اللبنانية، المنشغلة بتلك الحرب، غير مهتمّة بالشخصية الفلسطينية. أفلامٌ كثيرة تذهب إلى الحرب، وتبتعد عن الفلسطيني فيها. مخرجون، غالبيتهم متورّطة بالهم الفلسطيني، يقولون تردّدهم إزاء موضوعٍ حسّاس كهذا. بعضهم يشير إلى أنّ الموضوع يحتاج إلى مشروعٍ مستقلّ ومتكامل. يُستشفّ من أقوال بعضهم أنّ خوفاً يعتريهم. دانييل عربيد تقول (دردشة خاصة) إنّ ابتعاد "معارك حبّ" (2004) عن الفلسطينيّ ناتجٌ من عدم معرفتها إياه في الحرب الأهلية، موضوع فيلمها الروائي الطويل الأول هذا. تقول إنّ فيلمها منشغلٌ بعيشٍ لها في مرحلة من تلك الحرب.

زياد دويري ـ الذي يستلّ حكاية "بيروت الغربية" (1998) من مشاهداته الشخصية في اللحظة الممتدة من اندلاع الحرب (وما قبلها بقليل) إلى بداياتها الأولى ـ ينتظر 19 عاماً لتحقيق فيلمٍ يستعيد بعض تلك الحرب اللبنانية، بارتكازه على شخصيتين أساسيتين: مقاتل سابق في مليشيا القوات اللبنانية، وفلسطينيّ لاجئ إلى لبنان، وله تجربة أردنية مريرة. "القضية رقم 23" (2017) يُصبح أول فيلم لبناني يهتمّ بشخصية فلسطينية، تكون أساسية، في تناوله الحرب. المأزق كامنٌ في مكانٍ آخر. قبل أعوامٍ، يُصوِّر دويري "الصدمة" (2012) في فلسطين المحتلّة، مُتعاملاً مع إسرائيليين في مهنٍ سينمائية مختلفة. فيلماه هذان مُهمّان سينمائيان، لكنّ تصريحاتٍ له مسيئة ومؤذية، فهو غير مُتردّد عن إعلان انبهاره بتل أبيب، وعن تغنّيه بدولة الاحتلال، متغاضياً كلّياً عن فلسطين المحتلّة.

فيلما زياد دويري هذان مُثيران لنقاش نقديّ هادئ. عرض "القضية رقم 23" في بيروت حافزٌ لاستعادة مواقفه السابقة، ما يحول دون نقاشٍ سويّ، لن يكون دفاعاً أو تهجّماً، بل حوار مع اشتغالاته في الفيلمين.

"الصدمة" مقتبس عن روايةٍ للجزائري ياسمينا خضرا بالعنوان نفسه (2005). يروي سيرة طبيبٍ فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية، ويُصبح "نجم" المجتمع الإسرائيلي في تل أبيب. ذات صباح، يكتشف أنّ زوجته تُنفِّذ عملية استشهادية في الليلة السابقة، التي يُعالج فيها جرحى العملية. الموضوع مهمّ، كأهمية موضوع "القضية رقم 23". السينمائيّ فيهما يحتاج إلى نقاشٍ. التغنّي بتل أبيب على حساب الجرح الفلسطيني معضلة أخلاقية، تمنع نقاشاً يُفكِّك الفيلمين، ويُساجل اشتغالاتهما المختلفة.

جان شمعون، أكثر مخرجي "السينما البديلة" اشتغالاً على الموضوع الفلسطيني، ببُعديه الفلسطيني واللبناني، رفقة زوجته الفلسطينية مي المصري، لن يُدخِل شخصية فلسطينية في الروائي الطويل الوحيد له، "طيف المدينة" (2000)، الذي يقرأ الحرب وما قبلها، والمآلات التي يبلغها مقاتلون فيها، ومدنيون أيضاً. مخرجون كثيرون يبتعدون عن الشخصية، كأنّ الهمّ اللبناني، بجوانبه كلّها، يستحوذ عليهم، منذ اندلاع الحرب إلى نهايتها المزعومة، ومنذ البداية الناقصة للسلم وأعوامه الطويلة المضطربة، إلى هذه اللحظة.

الوثائقي منهمكٌ بفلسطين والفلسطينيين. الروائيّ منفضّ. هذا مأزق ثقافي وسؤال أخلاقي يحتاجان، معاً، إلى تحليل نقدي، غير مكتفٍ بمقالة واحدة.

المساهمون