في عرضه الذي أقامه أخيراً على خشبة مسرح روابط في القاهرة، قدم الفنان المصري حسن خان وصلة ممتدة من موسيقى الهيب هوب تحت عنوان "الأغنية الأبدية الهيب-هوبية". كان العرض ضمن الأنشطة التي نظمها مهرجان دي كاف (DCAF)، وهو أحد أهم الأحداث الفنية التي تنظم سنوياً في القاهرة خلال فصل الخريف، ويضم العديد من الأنشطة والعروض المختلفة.
يُعرف حسن خان على الساحة الدولية كفنان تجمع عروضه بين الأصوات والتركيبات البصرية. إلى جانب عرض حسن خان، شمل برنامج المهرجان الذي أعلن عنه قبل العدوان الإسرائيلي على غزة مُباشرة، عديداً من الأنشطة الفنية، من عروض مسرحية وموسيقية، إلى الرقص المعاصر وفنون الآداء، وكذلك عروض الفنون البصرية التي يشارك فيها فنانون من بلدان مختلفة.
غالباً، ما تستقطب عروض "دي كاف" جمهوراً واسعاً من الشباب والفنانين والمهتمين بهذا النوع من الممارسات البصرية والموسيقية. اختلف الأمر هذه المرة، فساحة المسرح الذي أقيم عليه الحفل، لم تجتذب هذا العام سوى أعداد قليلة من الجمهور. قبل بدء العرض، خاطب خان جمهوره مشيراً إلى أن الموسيقى التي لا يقدمها، تعتمد على فكرة التداعي وتشتبك على نحو ما مع الواقع والأحداث الجارية الآن في غزة. لسبب ما، سيطر شعور على الحضور أن الموسيقى التي قُدمت خلال العرض بدت كخلفية موجعة لما يحدث. أما خارج المسرح، فقد سيطر العدوان الإسرائيلي على غزة على معظم الأحاديث والنقاشات الجانبية.
لم تكن عروض مهرجان دي كاف وحدها التي قوبلت بهذا الفتور غير المعتاد، إذ تزامن العدوان على غزة مع ذروة موسم النشاط الفني في القاهرة، الذي يبدأ عقب انتهاء فصل الصيف. تعرض مهرجان "حي" للفنون للمأزق نفسه، وهو مهرجان سنوي للفنون البصرية يقام في قاعات ومساحات وسط القاهرة الرئيسية؛ إذ تقلص مرتادو المهرجان تقريباً إلى النصف، بحسب تصريح لأحد القائمين على تنظيمه. وبالمثل، لم تلق أنشطة معرض ومسابقة روزنامة الاهتمام الإعلامي والجماهيري المعتاد. يُنظم عرض ومسابقة روزنامة للفنون البصرية في القاهرة، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، برعاية مؤسسة مدرار للفنون وعدد من المراكز والمساحات الفنية المستقلة، وهو مخصص لإبداعات الشباب تحت سن 35 عاماً. تزامن انطلاق روزنامة هذا العام مع عدوان الاحتلال على غزة، ودفعت الأحداث القائمين على الحدث إلى تعليق بعض الأنشطة، كما أصدرت مؤسسة مدرار، بالتعاون مع غاليري أرض للفنون، بياناً تضامنياً مع فلسطين، معلنين تخصيص إحدى الجلسات الحوارية للنقاش حول أساليب التضامن مع القضية الفلسطينية، التي يمكن أن تقدمها المؤسسات الفنية والثقافية.
كانت أحداث غزة حاضرة كذلك ضمن فعاليات وأنشطة مهرجان القصص المصورة الدولي (كايروكوميكس) الذي أقيم في القاهرة على مدى ثلاثة أيام خلال الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
زيّن علم فلسطين شعار المهرجان هذا العام، واستحوذ العدوان على غزة على معظم النقاشات والعروض التي نُظمت خلال فترة المهرجان. ضمت فعاليات "كايروكوميكس" ورشات مع فنانين عرب وأجانب، بينهم جان لاستوميرسكي وجيري شيماتشيك من التشيك، ومحمد قريطم من لبنان، وعمرو طلعت من مصر. ويعد مهرجان كايروكوميكس أحد أهم وأكبر المهرجانات المتخصصة في فن الشرائط المصورة في المنطقة العربية.
كثير من المراكز الثقافية المستقلة، التي تقدم أنشطتها في القاهرة، غيرت من طبيعة برامجها منذ اندلاع الحرب في غزة، بينما أقدم غيرها على إلغاء الحفلات الغنائية والموسيقية التي يضمها برنامجها. من بين هذه المؤسسات الثقافية التي علقت نشاطها، يأتي مركز ساقية الصاوي الثقافي في ضاحية الزمالك القاهرية. تستقطب العروض التي يقدمها مركز ساقية الصاوي على اهتمام الشباب، على وجه التحديد نظراً إلى طابعها غير التقليدي وإتاحتها الفرصة للعديد من الفرق الغنائية والموسيقىة المستقلة.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، أعلنت إدارة "ساقية الصاوي" تعليق نشاطها الفني تماماً. جاء في البيان الذي نشر على الصفحة الرسمية للمؤسسة، أن الأنشطة ستقتصر على اللقاءات العلمية والتاريخية والبحثية التي توضح الحقائق الموثقة والمتعلقة بقضية فلسطين. وبالمثل، أعلنت إدارة مهرجان الجونة السينمائي عن تأجيل الدورة السادسة للمهرجان بسبب أحداث غزة من دون ذكر موعد آخر. وكان من المقرر أن تنطلق دورة المهرجان هذا العام في 27 أكتوبر الماضي.
لم يقتصر الأمر على المهرجانات أو المؤسسات الفنية فقط، فقد أعلن عدد من نجوم الغناء في مصر والمنطقة العربية إلغاء حفلاتهم التي كان من المقرر إقامتها في مصر خلال شهري أكتوبر ونوفمبر. على سبيل المثال، أجلت جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا حفل النجمين أحمد سعد وروبي، إذ كان من المقرر إقامته في منتصف أكتوبر الماضي على مسرح الجامعة.
كما أُلغي حفل الفنان اللبناني وائل جسار، الذي كان محدداً في 16 أكتوبر بأحد الفنادق الكبرى في القاهرة.
تمثل تلك الخطوات سبباً مُباشراً لإقدام كثير من الأندية والجامعات والمراكز الثقافية في مصر، على إلغاء نشاطها المعتاد في مثل هذا الوقت من العام. إلى جانب هذا التضامن، فإن القائمين على هذه المراكز والمؤسسات يستشعرون بلا شك أن المزاج العام للشارع المصري غير مُتقبل لأي مظهر احتفالي في هذا التوقيت، فأخبار وصور الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة باتت تفرض شعوراً عاماً بالحزن والمرارة.