فصل صحافيين في السودان: اجتثاث بحجة التطهير

27 سبتمبر 2021
صحافيون يطالبون بـ"تحرير الإعلام من فلول النظام البائد" عام 2019 (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

تثير قرارات فصل صحافيين في السودان من المؤسسات الحكومية الإعلامية، بحجة انتمائهم للنظام السابق، عدداً من التساؤلات عن صحة وعدالة تلك القرارات، ومدى تأثيرها على الأداء الإعلامي في تلك المؤسسات.

آخر القرارات الخاصة بفصل الصحافيين صدرت الأسبوع الماضي، بواسطة "لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو/حزيران 1989"، وهي اللجنة المعنية بملاحقة عناصر نظام الرئيس المعزول عمر البشير. وأمرت اللجنة بفصل 79 من العاملين بوكالة السودان للأنباء الحكومية، منهم نحو 50 صحافياً يعملون في قطاع التحرير الصحافي، بينما يتوزع البقية على الأقسام الفنية والإدارية. ويمثل العدد المفصول نحو 27 بالمائة من جملة العاملين وعددهم 290 موظفاً بالوكالة التي تأسست في العام 1971 لتقديم خدمة صحافية بأشكالها التحريرية المختلفة. وذكرت لجنة التفكيك أثناء إعلانها للقرارات أن الإعلام بعد الثورة السودانية ظلّ يعاني ما يعانيه بسبب وجود من يعيقون العمل، ويقفون ضد التحول الديمقراطي في البلاد. كما أشارت إلى أن المفصولين تم تعيينهم في النظام السابق بطريقة تجاوزت أسس ولوائح التوظيف المعروفة، وأشارت إلى أن وكالة السودان للأنباء لم تُعين منذ العام 2006 أي صحافي بطريقة صحيحة، واعتمدت على الولاء للحزب الحاكم، لا على معايير المنافسة الطبيعية. وأكدت اللجنة أن الوظائف الشاغرة بعد إنهاء خدمة العاملين سيتم طرحها بالصورة القانونية والمهنية، لكل السودانيين دون تمييز بينهم إلا بالكفاءة.

وسبق أن اتخذت ذات اللجنة قراراً بإنهاء خدمة 60 من العاملين بتلفزيون السودان الحكومي، كما فقد أكثر من 35 صحافياً وظائفهم بصحيفة "الرأي العام" بعد استردادها من "حزب المؤتمر الوطني" المحظور (حزب البشير). وكذلك فقد نحو 270 وظائفهم بإغلاق قناة "الشروق" التي تمت مصادرتها من مالكها رجل الأعمال المحسوب على النظام جمال الوالي، وإعادة تسجيلها لصالح حكومة السودان. أما قناة وإذاعة "طيبة" المحسوبتان على عبد الحي يوسف، وهو رجل دين مناهض للحكومة الحالية، فبعد إغلاقهما العام الماضي، فقد 105 من الصحافيين والفنيين والإداريين وظائفهم كذلك.

يقول الصحافي عبد الله إدريس، وهو أحد المفصولين مؤخراً من "وكالة السودان للأنباء"، إنّ "قرارات لجنة تفكيك النظام السابق، ظالمة للحد البعيد وليست فيها أي نوع من العدالة، وإن لجنة التفكيك وقعت بقراراتها تلك ضحية مؤامرة ووشايات من زملاء لهم في الوكالة كانوا يقتاتون من النظام السابق، ويتملقون النظام الجديد برفع تقارير ومعلومات مغلوطة ومضللة مائة بالمائة". ويضيف إدريس لـ"العربي الجديد" أنّ "المفصولين من الوكالة لا تنطبق عليهم معايير الفصل التي حددتها لجنة تفكيك النظام السابق، سواء تلك المتعلقة بالتعيين على أساس الولاء الحزبي، أو الانتماء للمؤسسات الأمنية للنظام السابق، أو التدرج والترقي دون وجه حق، أو العمل على إعاقة التحول الديمقراطي في البلاد"، مؤكداً أن "كل المفصولين على درجة عالية من الكفاءة والتأهيل، وبعيدون عن الولاءات للحزب المحظور، ويتمتعون بالاحترافية والمهنية، سواء كانوا صحافيين، أو في الوظائف الأخرى، بل منهم من هو أقرب لخط الثورة ودعم التحول الديمقراطي في البلاد بعيداً عن الاصطفاف الحزبي"، معتبراً أن "مغادرتهم الوكالة ستترك فراغاً عريضاً سيظهر بصورة أوضح في المدى القصير". ويوضح إدريس أنهم تقدموا باستئناف ضد القرارات لدى لجنة التفكيك نفسها، وأن هدفهم الوحيد هو تثبيت حقوقهم التاريخية ودحض الاتهامات عنهم دون الاهتمام بالعودة للعمل في الوكالة، مشيراً إلى أنهم سيلجأون للقضاء حال عدم إنصافهم في مراحل الطعن الإدارية.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

أما محمد صالح عمسيب الذي طاولته يد الفصل من الوكالة هو وزوجته، فيصف في حديثه لـ"العربي الجديد" ما حدث بالمجزرة التي وقعت في أكبر صرح إعلامي في السودان، مفنداً ما أسماه مزاعم الانتماء للنظام القديم كاتهام طاول المفصولين، مؤكداً أنه "شخصياً ليس له أي علاقة بحزب المؤتمر الوطني المحظور، ولا نقاباته وواجهاته المختلفة"، مشيراً إلى أنّ "القرارات لم تراع أبسط القيم الإنسانية باستهداف زوج وزوجته، ما يعني تعريض حياه أبنائهم للضياع في ظل الظروف المعيشية الضاغطة". ويضيف عمسيب لـ"العربي الجديد" أنه "قرر عدم الطعن في القرار، ولا البحث عن وظيفة أخرى داخل البلاد، وأنه اتفق مع زوجته وأطفاله على تجميد الدراسة وترك السودان كله، والبحث عن أي دولة أخرى للجوء إليها تكون أكثر احتراماً لمواطنيها"، مبيناً أنه "لا يستطيع التعبيرعن إحساسه المرير بالظلم والإجحاف والإهانة داخل وطن كم أحبه وخدم من أجله"، مؤكداً أنه فصل مع زوجته، أريج محمد طه، لأنهما عارضا ما يسميه التجاوزات الحالية داخل الوكالة، وليس لأي سبب آخر.

من جانبه، يوضح الإعلامي فضل الله رابح، وهو فُصل العام الماضي من التلفزيون الحكومي، لـ"العربي الجديد"، أن "وكالة السودان للأنباء ظلت ولسنوات طويلة تغذي الصحف الورقية والإلكترونية والمواقع بالأخبار العاجلة على مدار الساعة، وتجمع أخباراً مهنية صادقة محكمة الصياغة، ومن مصادرها، وتعد التقارير والحوارات"، منوهاً إلى أن "ما صدر من قرارات سيخلق عجزاً كبيرا بحجم العدد المفصول والموزع ما بين عامل بسيط، وسائق، ومحرر، وكبير محررين ومدير تحرير، وسكرتير صحافي، وحتى كبار مديري الإدارات وصلهم سيف العزل التعسفي". ويستطرد رابح بقوله إنّ "ما تم في وكالة السودان للأنباء لا يشبه شعارات الثورة التي تدعو للعدالة والحرية والسلام، والمؤسف أنّ كل الروايات التي خرجت لتبرر فصل الصحافيين كانت لا تستند إلى حقائق مقنعة، وستؤثر بشكل مريع على مجمل الأداء المهني، كما حدث في أداء الاذاعة والتلفزيون الحكوميين، حيث التراجع الذي لحق ببرامجهما وأخبارهما، بعد فصل موظفين العام الماضي".

لكنّ مصدراً بلجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، فضّل الكشف عن اسمه لأنه غير مخول له بالإدلاء بتصريحات صحافية، نفى أن يكون لفصل الصحافيين الموالين للنظام السابق أي أثر سلبي على أداء المؤسسات الإعلامية، قائلاً: "بل العكس، تحسن الأداء كثيراً خلال الفترات السابقة لأنهم كانوا عقبة في طريق التطوير والمهنية وعمدوا لتنفيذ أجندة الحزب المحلول"، منوهاً إلى أنّ التطوير الأكبر سيأتي بعد إتاحة فرصة المنافسة على تلك الوظائف لكل السودانيين لاختيار الأكثر كفاءة". ويضيف المصدر لـ"العربي الجديد" أنّ "قرارات اللجنة جاءت بعد تحرًّ واسع وجمع المعلومات ومطابقتها، كما أن اللجنة مستعدة لمراجعة أي أخطاء وردت في القرارات، وأنها بالفعل بدأت في إعادة البعض للعمل، إما لخطأ في القرار أو مراعاة لحالات إنسانية مثل فصل الزوج والزوجة"، منوهاً إلى أنه من بين من أعيدوا موظف اكتشفت اللجنة أنه يجري عملية غسل كلى، وأكد أن أمام المفصولين فرص أخرى للطعن حتى مرحلة القضاء طبقاً لقانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو. كما ينبه المصدر إلى أنّ اللجنة ستقدم توصية للسماح للمفصولين بالتقديم لتلك الوظائف، والمنافسة مثلهم ومثل غيرهم، ولن يكون للجنة مانع من إعادة توظيفهم لو وفّقوا في المقابلات الخاصة، ووقتها سيحصلون على الوظيفة بالكفاءة وليس بالولاء كما حدث في عهد النظام البائد"، على حد تعبيره.

المساهمون